سكان الرصيف في ليل صنعاء البارد.. أجساد مرتعشة وعابرون بلا مبالاة (تقرير خاص)

اخترنا لك

الخبر اليمني/عمر عبدالعزيز:

وانت عائد الى منزلك ليلا، ستشاهد عددا من المشردين الذين ينامون على ارصفة الشوارع في العاصمة صنعاء. مشهد مؤلم اعتاد عليه كثير من المارة المضي جوار أجسادهم المرتعشة من شدة البرد من دون اعارتهم النظر الى أوجههم او تحريك مشاعرهم تجاه هؤلاء المشردون. مصير انساني مؤلم لو كنت ذات يوم أحدهم.. ماذا بوسعك ان تفعل مع عابرين لا يعيرون حتى انظر الى وجهك.

 

ينام عبد السلام على رصيف سور جامعة صنعاء، تحت حرارة الشمس وصقيع البرد، لا يملك فراشاٌ ولا بطانية. داخل “شوالاته” البيضاء التي يجمع بداخلها قناني البلاستيك ليبيعها في محل الخردة ينام.

عبد السلام شاب ثلاثييني قال انه مشرد منذ ان قدم من قريته في محافظة اب الى العاصمة صنعاء قبل سنوات، بحثاً عن العمل فلم يوفق لذلك ولم يحصل على سكن ايضا. عبد السلام واحد من مئات المشردين الذين ينامون على ارصفة وشوار العاصمة صنعاء.

على مقربة من عبد السلام يتخذ عدد من زملائه المشردين سور الجامعة مأوى وسكن لهم.

في زيارة ميدانية قام بها مراسل موقع “الخبر اليمني” في صنعاء لرصد معاناة المشردين التقى  بشخص مسن ينام جوار جامعة صنعاء. تجاعيد وجهه ترسم معاناة كثيرة وتحت ملامحه اليمنية يخبئ اوجاعه وحزنه بصمت. اثناء حديثنا معه قال لنا انه لا يعرف شيء عن اسرته التي انقطع عنها قبل عامين، وغادرها بسبب مشاكل عائلية ليلتحق بأفواج المشردين المتواجدين على هذا الرصيف. 

  مع استمرار الحرب والحصار على اليمن لم يعد التشرد محتكرا للمختلين عقليا كما يعرف سابقا. فقد لاذ مئات الفقراء والنازحين بالشوارع بعد أن أوصدت الحرب أمام أعينهم كل مأوى.

عبد الغني إبراهيم أحد النازحين الذي قذفت فيه الحرب، ليصبح مشردا بعد ان خسر منزله وعمله في تعز إثر الحرب والدمار الذي ارتكبته الفصائل الموالية للتحالف في مدينة تعز عبد الغني قال انه قدم الى العاصمة قبل عام ونصف، كما انه ولم يفضل الذهاب الى مخيمات النازحين في البدء ولكنه ذهب لاستئجار غرفة صغيرة جوار أمانة العاصمة بصنعاء. وبعد أن عجز عن تسديد الايجار قام مالك البيت بإخراجه الى الشارع. ومن تلك اللحظة بدأ رحلة تشرده ابتداء من جوار أمانة العاصمة وصولا الى حي القاع  ثم إلى جوار الجامعة القديمة حيث يستقر هناك في العراء على أحد الأرصفة.

مشرد ينام في عش على شجرة

بعض المشردين يتخذ من شوارع وزوايا المدينة أماكن مخفية وبعيدة عن أنظار المارة والتي لم تخطر على ذهن أحد. فمثلا اثناء زيارتنا شاهدنا أحد المشردين يخرج في الصباح من تحت مقعد حديدي وضعته احدى الشركات التجارية على محاذاة شارع الزبيري كدعاية إعلانية.

 الكثير يقعدون على الكرسي الحديدي الطويل لدقائق يوميا، لكنهم لا يعرفون انهم يقعدون على سطح سكن أحد المشردين ترك لهم العاصمة ليستقر تحت هذا المقعد باعتباره المكان المناسب لتشرده.

مشرد آخر ينام داخل عش شيده وسط أحد الأشجار المتواجدة أمام الجامعة الجديدة، وضل فيه لسنوات لا يعرف مكانه الا القليل من المارة. عند كل صباح ينزل المشرد من داخل عشه ليغادره بهدوء ويعود اليه ليلا فيتسلق الشجرة بشكل بهلواني وسريع حتى لا يتمكن أحد من مشاهدته.

أماكن كثيرة يتخذها المشردون في شوارع العاصمة منهم من ينام تحت السيارات المنتهية صلاحيتها او على متنها. مشرد  شاهدناه يخرج من وسط اكوام الخردة بشارع العدل.

تسابق نحو الدفء

في مشهد مؤلم يتسابق عدد من المشردين يوميا للجلوس جوار مولد مستشفى الجمهوري الكبير لتدفئة أجسادهم النحيلة وحين يكتفي الواحد منهم بتدفئة جسده يغادر المكان. ليتقدم مشردين للتدفئة، مشهد يومي يقضيه مشردون الشوارع جوار هذا المولد والى ساعات طويلة.

 وفي حالة مشابهة يقول ناظم الخامري صاحب بقالة في التحرير ان عدد من المشردين يقصدوه في الليل طالبين منه كراتين من اجل احراقها بمقربة من بقالته ليتدفؤوا بنارها.

 

متهمين بالعمل في الأمن السياسي

 ماتزال نظرة المجتمع نحو المختلين عقليا المشردين في الشوارع قاصرة البعض يتعامل مع هذه الشريحة تحت إطار انهم جواسيس وحريب ومخبرين.

يقول الدكتور جميل عون استاذ في قسم علم الاجتماع بجامعة صنعاء في حديث مع مراسل الخبر إنه من الطبيعي ان يتعامل بعض المجتمع مع هذه الشريحة على اساس انهم” أمن وحريب” وأنهم يعملون لصالح اجهزه امنية. لكن ليس في الوقت الحالي، صحيح انه تم استخدام عدد من المختلين عقليا مطلع السبعينيات والثمانيات وكانت هي الطريقة السائدة آنذاك.

وتابع بقوله في وقتنا الحاضر  لم تعد طريقة استخدام المختلين “المجانين” ملائمة للعمل الاستخباراتي في ضل تطور العولمة والعالم الافتراضي وعصر المعلومة. فقط ننظر لهم من جانب انساني كما هم الان مشردين فقط لا داعي ان يستمر المجتمع بفرزهم تحت القوالب الأمنية التي عفا عنها الزمن.

 وأضاف  وسائل وأساليب التخابر تطورت ولم يعد للمختلين عقليا والمشردين دور في ذلك.

 طارق علي ناشط حقوقي ويعمل في احدى المنظمات الاغاثية في صنعاء قال ان المنظمات لا تستهدف شريحة المشردين الكبيرة، التي تعتبر أحد ضحايا الحرب والقصف والحصار السعودي على اليمن.

يضيف طارق: تتعامل هذه المنظمات مع شريحة المشردين على أساس انها تكونت من الفراغ وليست بسبب الجوع والفقر والحصار وأنها لا تحتاج الى مساعدات لذلك لا تلفت الى هؤلاء المشردون الذي يكتظون على الأرصفة وشوارع العاصمة صنعاء وبقية المحافظات اليمنية.

 ويشير طارق إلى أن معرفة منظمات حقوق الانسان ان المشردين بحاجة ماسة لمثل هذه المساعدات ومعرفتها لمعاناتهم في الشوارع وتحت حرارة الشمس والبرد الشديد لم تجعل هذه الشريحة ضمن آلياتها.

وكشف طارق  أن هناك مساعدات تمنح من دوال كثيرة لهذه الشريحة ولكن المنظمات لا تسخر حتى جهدا بسيطا للبحث عن المشردين في الشوارع، لذلك تكتفي اما بتوزيع حقهم المساعدات الى أماكن ليست بحاجة لهذه المساعدات. او أنها تنهب هذه المساعدات تحت أساليب كثيرة تمارسها المنظمات في عملية فسادها الإنساني المعروف.

وختم تصريحه بالقول حتى اللحظة لا توجد إحصائيات رسمية ولا أرقام ولا أي اهتمام او رعاية صحية لعدد المشردين من قبل الجهات المختصة التي يفترض ان تقوم بذلك. وهذا أيضا أحد العوائق لوصول المنظمات إليهم.

أحدث العناوين

قطر: مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة تمر بمرحلة حساسة ونحاول تذليل العقبات

صرح رئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الأربعاء، بأن محادثات وقف إطلاق النار في قطاع غزة...

مقالات ذات صلة