الخبر اليمني/ساسة بوست: 

كان عام 2017 إنجازًا هائلًا؛ لا أعتقد أن هناك أية إدارة أمريكية استطاعت فعل ما فعلناه وأنجزناه في العام الأول

هكذا صرَّح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن عامه الأول في كرسيّ الحكم، بحسب ما أعلن البيت الأبيض في بيانٍ رسمي. يمُثِّل يوم أمس 20 يناير (كانون الثاني) 2018 ذكرى مرور عام على تولّي الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية؛ ليصبح بذلك الرئيس الخامس والأربعين لها؛ إذ سجَّل يوم التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2016 حدثًا فاصلًا في تاريخ أمريكا والعالم؛ كان هذا هو اليوم الذي أُعلن فيه فوز مرشح «الحزب الجمهوري» دونالد ترامب بالرئاسة؛ ليمنع بذلك وصول أول سيدة في تاريخ الولايات المتحدة إلى الحكم، وذلك بخسارة مرشحة «الحزب الديمقراطي» هيلاري كلينتون أمامه.

وبالرغم من أهمية التاسع من نوفمبر 2016، إلا أن التاريخ الأهم هو 20 يناير 2017، والذي تولى فيه رسميًا رجل الأعمال والرئيس المنتخب، دونالد ترامب، الحكم، بعد تسلّم للسلطة من الرئيس المنتهية ولايته، باراك أوباما؛ إذ ظل الأخير في الحكم لفترتين رئاسيتين سجلتا ثماني سنوات، دارت فيها العديد من الأحداث التي استطاع فريق عمل «ساسة بوست» من خلالها فهم وتسجيل وتحليل فترة حكمه في هذا التقريرٍ.

عامٌ كامل انتهى منذ استلام ترامب مقاليد الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، مليء بالأحداث، والإحصاءات، والمواقف الكوميدية المحرجة، والتغريدات، والجدالات، والقرارات، والتهديدات، والكثير والكثير. وفي هذا التقرير، نحاول أن نقوم بعمل كشف حساب للرئيس الأمريكي خلال عام في البيت الأبيض.

حرب الرئيس والقضاء

خلال عامه الأول، قام ترامب بالتأكيد مرارًا على تعيين قضاة ماهرين في المحاكم المختلفة الأمريكية، كان أبرز هذه المحاكم المحكمة العليا للولايات المتحدة، الموجودة منذ عام 1789، والتي تُمثِّل أعلى هيئة قضائية في الولايات المتحدة؛ فهي المحكمة التي تفصل في القضايا الاتحادية التي تخص الولايات المتحدة ككل، ولا تقتصر على ولاية واحدة فقط.

وبالرغم من أن القضاة في هذه المحكمة يبقون في مناصبهم مدى الحياة، بخدمة السلوك الحسن، التي لا تنتهي إلا عند الوفاة أو الاستقالة أو التقاعد أو الإدانة، فإن ترامب قد قام بتعيين أحد أعضائها – عدد أعضائها تسعة – وهو نيل ماكجيل؛ وذلك بعد رحيل أنطوني سكاليا، القاضي الذي توفي خلال عام 2016.

وقد قال ترامب خلال الأسبوع الماضي إنه صادَق على تعيين عدد من القضاة خلال عام حكمه في مختلف المحاكم؛ إذ كان هناك العديد من المناصب الشاغرة في عدد من المحاكم قبل رئاسة ترامب، وقد وعد مُسبقًا بأنه سيعمل على ملء هذه المناصب بعدد من القضاة، ولذلك فقد سارع فور وصوله إلى البيت الأبيض إلى تعيين العديد منهم في المحاكم المختلفة، سواء كانت محاكم عليا، أو ابتدائية.

الجدير بالذكر أن غالبية القضاة الذين تم تعيينهم عن طريق الرئيس ترامب من الشباب المحافظين، وهو ما قد يعمل على إحداث تغييرات اجتماعية وقانونيّة عميقة في المجتمع الأمريكي على المدى البعيد.

معارك ترامب الإعلامية لا تنتهي

شكَّل ترامب خلال عامه الأول تغييرًا جذريًا في كيفية تفاعل رئيس الدولة مع المواطنين؛ إذ عمل على التواصل عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصةً موقعه المفضّل «تويتر»، أكثر من التصريحات الصحافية، أو البيانات الإعلامية، أو حتى بيانات البيت الأبيض، فضلًا عن كونه يتواصل مع بعض المسؤولين أيضًا عبر تويتر.

وقد قام ترامب بكتابة ما يزيد عن 2500 تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي، تويتر، خلال عامه الأول من حكم الولايات المتحدة الأمريكية.

الجدير بالذكر، أن العام الأول لترامب لم يخلُ من انتقاداته الواسعة لوسائل الإعلام الأمريكية المختلفة، وأبرزها «سي إن إن». ويتهم ترامب عددًا من وسائل الإعلام الأمريكية بأنها غير محايدة، وتنشر أخبارًا كاذبة؛ إذ ذكر ترامب في تغريداته خلال عام كلمة «أخبار كاذبة» (Fake News) أكثر من 174 مرة فقط على موقع التواصل الاجتماعي تويتر.

وفي كتاب «النار والغضب»، المنشور قبل بضعة أيام، والذي يعرض بشكل دقيق تفاصيل حياة ترامب خلال العام الأول من حكمه داخل البيت الأبيض، والذي أثار جدلًا واسعًا في المجتمع الأمريكي وخارجه، ذكر ترامب أنه يُعاني من سخرية وسائل الإعلام الأمريكية، بل إنها في بعض الأحيان تصيبه بالاكتئاب.

شعبية في غرق

يُعاني ترامب في الفترة الحالية من انحدار كبير في شعبيته لدى الشعب الأمريكي. صحيفة «وول ستريت جورنال»، بالتعاون مع مؤسسة «إن بي سي»، أجرت استطلاعًا للرأي في ديسمبر (كانون الأول) عام 2016؛ وذلك لقياس شعبية الرئيس الأمريكي لدى الشعب، وجاءت النتائج حينها بأن 32% من المواطنين لديهم أمل في أن الرئيس قد يساهم بتحسين الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، في الوقت الذي كان فيه 25% من المواطنين يشعرون بالاشمئزاز من الفترة التي تولى فيها ترامب حكم الولايات المتحدة، بالإضافة إلى وجود 23% من المواطنين يشعرون بالخوف من حكمه.

الصحيفة أجرت نفس الاستطلاع أوّل أمس، بعد مرور عام على تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة، ولكن النتائج جاءت هذه المرَّة بأن هناك 38% من المواطنين يشعرون بالاشمئزاز من العام الأول لترامب، بالإضافة إلى 24% من المواطنين الخائفين من الفترة القادمة، غير أن نسبة الآملين قلت لتصل إلى 23% فقط بعد مرور عام.

وعن هذا الموضوع، أكَّد بيتر هارت، الذي أجرى هذا الاستطلاع، أن «الأمل» كان هو اللفظ الأبرز الذي أشار له المواطنون قبل بداية حكم ترامب، غير أنه في الوقت الحالي تعد كلمة الاشمئزاز هي الأكثر تداولًا واستخدامًا لتعبير المواطنين عن شعورهم تجاه فترة حكم ترامب في العام الأول.

وفي استطلاع آخر أجرته مؤسسة «جالوب»، حصل ترامب على نسبة 37% فقط من التأييد لفترة حكمه خلال العام الأول، وهو أدنى تصنيف لشعبية أي رئيس في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية؛ إذ حصل الرئيس السابق باراك أوباما بعد عامه الأول على نسبة تأييد بلغت 50%، في الوقت الذي حصل فيه الرئيس الأسبق بيل كلينتون 54% من التأييد خلال العام الأول، بينما حصل جورج بوش على نسبة 83% من التأييد.

السياسة الخارجية لترامب: نهج لا يتغيّر

«إن كنت تظن أن عام 2017 كان سيئًا، فعليك الانتظار حتى ترى الوضع عام 2018» هكذا عنّونت صحيفة «فورين بوليسي» في تقريرها حول تقييم السياسة الخارجية لترامب خلال عام من حكمه للولايات المتحدة الأمريكية.

ويشير عدد من استطلاعات الرأي إلى أن العام الذي قضاه ترامب في البيت الأبيض قد وصلت فيه مكانة الولايات المتحدة دوليًا إلى نقطة منخفضة للغاية. وبالرغم من خطاب ترامب المختلف عن الرؤساء الأمريكيين السابقين، إلا أن سياسته الخارجية كانت تقليدية في معظم الأحيان، بحسب ما أشار إليه موقع «فوا نيوز».

وقد أشار مايكل أوهانلون، مدير الأبحاث والسياسة الخارجية في مركز «بروكينجز» في واشنطن، أنه على الرغم من كل الاندفاعات التي ظهر فيها ترامب في الكثير من قراراته فيما يخص السياسة الخارجية، إلا أن إدارة ترامب الفعلية لم تنحرف كثيرًا عن وجهات النظر التي اتخذها الرؤساء الآخرون، مؤكدًا إلى أن مقولة أن ترامب قلب السياسة الخارجية الأمريكية على عاقبها هي صحيحة بالفعل، ولكنها محدودة في نطاق معين فقط، وليست في كل المجالات.

ترامب نفسه أكَّد خلال خطاب استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الشهر الماضي، أن استراتيجية الولايات المتحدة هي تعزيز النفوذ الأمريكي في العالم، مشيرًا إلى أن هذا الأمر هو الذي يقود الولايات المتحدة إلى جني ثروات كبيرة، قد تعود بالنفع على الداخل الأمريكي فيما بعد، ولكنه في الوقت نفسه أضاف: «نحن لا نسعى إلى فرض طريقة حياتنا على أي شخص، ولكننا سندافع بقوة عن قيمنا دون اعتذارات».

الجولات الخارجية لترامب هنا وهناك، لمقابلة الرؤساء والملوك كانت جولاتٍ مليئة بالمواقف الكوميدية؛ إذ لا يتردد ترامب في أن يجعل من نفسه، ومن الولايات المتحدة، مزحة يضحك عليها العالم كله، إذ لا يستقر على حال واحد؛ فكل حين برأيٍ مختلف، وذلك انطلاقًا – في أحيان كثيرة – من مصلحته الشخصية، القائمة بالأساس على رأس المال، وذلك نظرًا لكون ترامب رجل أعمال في الأساس، قبل أن يكون رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية.

وبعيدًا عن المواقف الكوميدية، فهناك أيضًا المواقف الجادة، والتهديدات المباشرة التي شنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على زعيم كوريا الشمالية، كيم يونج أون، والتي وصلت إلى أقصاها في منتصف أبريل (نيسان) الماضي.

وبالرغم من أن المناوشات بين واشنطن وبيونج يانج تشتعل حينًا، وتخفت حينًا آخر، إلا أن ترامب قد أثار الجدل مؤخرًا؛ بسبب قوله إنه يملك «زرًا نوويًا كبيرًا»، بالإضافة إلى وصف ترامب لزعيم كوريا أنه «رجل الصاروخ الصغير»، وهو الأمر الذي ألحق بترامب الانتقادات المختلفة من عدد من المحللين، والذين أشاروا إلى أن ترامب بذلك يزيد من خطر الحرب النووية دون داع.

( زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون)

وداعًا للاتفاقات الدولية

العام الأول لترامب كان مليئًا بانسحابات الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاقات الدولية المختلفة، وهو ما كان قد وعد به خلال حملته الانتخابية عام 2016؛ إذ وعد بإعادة التفاوض على شروط اتفاق إيران النووي، بالإضافة إلى الانسحاب منالشراكة عبر المحيط الهادئ، واتفاقية باريس للتغير المناخي.

اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي

وبعد ثلاثة أيام فقط من بداية حكمه، في 23 يناير 2017، أعلن ترامب انسحابه من اتفاقية الشراكة التجارية عبر المحيط الهادي (TPP)، وهي الاتفاقية التي تضم 12 دولة، وتستهدف تسهيل عمليات التجارة، وزيادة تحرر اقتصادات منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

وتستهدف الاتفاقية تقليص حجم التعريفات الجمركية بشكل كبير بين الدول الأعضاء، بل التخلص منها في بعض الحالات، إضافة إلى فتح مجالات أخرى في تجارة البضائع والخدمات، وإزالة الحواجز التجارية في المنطقة، وخفض أو إلغاء الرسوم الجمركية على حوالي 18 ألف سلعة صناعية وزراعية.

ولم تكن دوافع الاتفاقية اقتصادية بحتة في البداية؛ إذ سعت الدول الأعضاء إلى تعزيز العلاقات السياسية أيضًا مع الدول المشاركة، بجانب السياسات الاقتصادية.

الجدير بالذكر، تعداد السكان الأعضاء في الاتفاقية يصل إلى نحو 800 مليون نسمة، وتمثل حوالي 40% من إجمالي الاقتصاد العالمي، و26% من التجارة العالمية بقيمة تزيد على 11 تريليون دولار. وبعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية،قال ترامب: «ما فعلناه الآن هو شيء عظيم للعامل الأمريكي».

اتفاقية باريس للتغيُّر المناخي

في الأول من يونيو (حزيران) 2017، أعلن ترامب انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من اتفاقية باريس للتغير المناخي، والتي أشرك الرئيس السابق، باراك أوباما، الولايات المتحدة فيها؛ إذ انتقد ترامب الاتفاقية التي تشارك فيها 195 دولة، والتي بموجبها كانت على الولايات المتحدة الحد طوعًا من انبعاثاتها الكربونية؛ إذ أشار ترامب إلى أن هذا الأمر مثَّل تقييدًا لسيادة الولايات المتحدة، بالإضافة إلى ما شكَّلَه من إيذاء للعمال الأمريكيين، بل إنه يهدف إلى إضعاف البلاد اقتصاديًا.

وكان ترامب قد صرَّح في عام 2012، أن التغير المناخي يشكل مفهومًا اخترعته الصين لجعل الشركات الأمريكية أقل قدرة على المنافسة. وقد أدى انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية، ومعارضتها لاتفاقية باريس، إلى حدوث العديد من التوترات بينها وبين عددًا من الدول الأوروبية، والقوى الكبرى.

قف! يُمنع دخول اللاجئين والمسلمين

في 27 من يناير 2017، وقَّع ترامب قرارًا تنفيذيًّا يحظر دخول اللاجئين السوريين إلى الولايات المتحدة حتى إشعار آخر، بالإضافة إلى إيقاف إصدار تأشيرات دخول للولايات المتحدة لمدة ثلاثة أشهر، وذلك لرعايا ست دول أخرى بخلاف سوريا، وهي: إيران، والعراق، واليمن، وليبيا، والسودان، والصومال.

اقرأ أيضًا: حظر دخول المسلمين.. ترامب يُهدِّد النظام العالمي في عقر داره

وتعتبر الدول السبع من دول الأغلبية المسلمة في العالم. وبالإضافة إلى ذلك أعلن ترامب تعليق نظام اللاجئين في الولايات المتحدة الأمريكية لمدة 120 يومًا، مؤكدًا أن هذه الفترة مخصصة للفحص الدقيق في شؤون جميع المسجلين، قائلًا: إن «هذا الفحص الدقيق سيساعد على بقاء الإرهابيين الإسلاميين المتشددين خارج الولايات المتحدة».

الجدير بالذكر أن القرار التنفيذي الذي أصدره ترامب جاء تحت عنوان: «حماية الأمة من دخول الإرهابيين إلى الولايات المتحدة». وبعد أيام من صدور القرار حظر عدد من القضاة الاتحاديين في واشنطن القرار؛ لتبدأ بذلك سلسلة من المواجهات بين إدارة ترامب والنظام القضائي؛ الأمر الذي عانى منه ترامب كثيرًا.

لم يكتفِ ترامب بذلك، بل إنه في الأسبوع نفسه، قام بتوقيع قرار آخر يتعلَّق باللاجئين، وهو ذلك الخاص بتوجيه الأموال الأمريكية إلى بناء جدار على طول الحدود الأمريكية مع المكسك لمنع دخول العاملين واللاجئين المكسيكيين إلى الولايات المتحدة.

القرارات التي اتخذها ترامب تجاه اللاجئين والهجرة أدت إلى مشاهد عديدة من الفوضى في جميع أنحاء البلاد، وتفريق العائلات، وتوقيفهم في المطارات، وإلغاء الكثير من تأشيرات الدخول الشرعية. بالإضافة إلى كل ذلك أدى إلى وجود أزمة دستورية، وجدل قضائي تجاه القرار التنفيذي، ومدى صحته دستوريًا من عدمه، إلى أن تدخلت العديد من المحاكم الفيدرالية من أجل وقف تنفيذ هذا القرار بسبب عدم دستوريته، ولكن الرئيس ترامب أبى أن يكون على خطأ؛ فهدد بخرق الدستور الأمريكي، وبحل المحاكم التي حكمت بعدم دستورية قراره التنفيذي، وهي محكمة الاستئناف الاتحادية.

ترامب صديق الديكتاتوريين

يرى المراقبون أن قرارات ترامب ساهمت في زعزعة صورة الولايات المتحدة الأمريكية كمقر ومصدر رئيس لحقوق الإنسان والديمقراطية في العالم؛ مما قلل من مكانتها الدبلوماسية في العالم؛ إذ عمل ترامب خلال فترة حكمه على تعميق وتحسين علاقته بعدد من القادة الاستبداديين المتهمين بممارسة القمع وانتهاكات حقوق الإنسان. مثل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وملك السعودية والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الفلبيني رودريجو دوتيرتي، وغيرهم من القادة الشموليين في جميع أنحاء العالم.

وبدلًا عن أن  تكون الولايات المتحدة راعيةً للديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم، كما تحاول دومًا أن تصدِّر نفسها، أدى تأييد ترامب لهؤلاء القادة وغيرهم إلى زيادة الانتهاكات التي ترتكبها هذه الأنظمة ضد شعوبها، وضد حقوق الإنسان. وفي المقابل، عمل ترامب على تسطيح علاقاته مع دول الاتحاد الأوروبي.

الخطوة الأبرز في السياسة الخارجية الأمريكية هي خطوة ضرب الولايات المتحدة لمواقع تابعة لنظام الأسد في سوريا، في تغير غريب بالسياسة الخارجية الأمريكية في أبريل الماضي، وذلك نظرًا لتأييد ترامب لنظام الأسد من البداية خلال الحملة الانتخابية. ويُفسِّر عدد من المحللين ذلك بأن ترامب حاليًا في طور تكوين أفكاره السياسية الخالصة، الخاصة بالسياسة الخارجية وغيرها، والتي قد تختلف عن أفكاره وقت الحملة الرئاسية عامي 2015 و2016، ولذلك فهو متذبذب بشدة في الوقت الحالي، وقد يتخذ إجراءات متناقضة مع أفكاره وقت الحملة، ومن ضمنها رأيه في حل الأزمة السورية.

ترامب في إسرائيل

قضيّة أخرى أثارت جدلًا فيما يخص العام الأول لترامب والشرق الأوسط، وهي قضية القدس؛ إذ اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل؛ مما أدى إلى خروج عدد من التظاهرات في مناطق عدة حول العالم، والتي سعت إلى الضغط على الحكومات العربية، وحكومات الشرق الأوسط، باتخاذ إجراءات حاسمة تجاه هذه الأزمة.

وفي الوقت نفسه، فإن ترامب يفتخر في الوقت الحالي بأنه ساهم بشكلٍ كبيرٍ في القضاء على «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)» في الشرق الأوسط؛ مما أدى إلى إحلال إيران محل داعش في استراتيجيته الجديدة للشرق الأوسط لعام 2018.

اقرأ أيضًا: «العدو هو طهران».. كيف ستكون استراتيجية أمريكا في الشرق الأوسط عام 2018؟

ما زال متسرعًا

من المعروف عن دونالد ترامب في نظر المراقبين صفة التسرع؛ فدائمًا ما يتخذ القرارات دون التشاور مع غيره من المستشارين، مثلما حدث في قرار حظر دخول المسلمين للولايات المتحدة الأمريكية، ولذلك يمكننا فهم الغارة الجوية الأمريكية على سوريا، وكيف تمت بسرعة شديدة بعد مجزرة خان شيخون بعدد قليل من الساعات والأيام.

صفة أخرى ظهرت بكل وضوح في شخصية ترامب خلال سنته الأولى في الحكم، في نظر بعض المراقبين، وهي انعدم خبرته السياسية؛ فهو لم يتول أية مراكز سياسية من قبل، وإنما كانت رؤيته السياسية دائمًا نابعة من منظور المصلحة الشخصية، وذلك نظرًا لكونه رجل أعمال في المقام الأول، وذلك طبقًا لما أكدت عليه «ناعومي كلاين» المفكرة والصحافية الكندية، في كتابها الأخير «ليس كافيًا أن نقول لا».

ونتيجةً لذلك، كما أسلفنا فإن عددًا من المحللين يرون أن ترامب حاليًا في طور تكوين أفكاره السياسية الخالصة، الخاصة بالسياسة الخارجية وغيرها، والتي قد تختلف عن أفكاره وقت الحملة الرئاسية عامي 2015، و2016، ولذلك فهو متذبذب بشدة في الوقت الحالي، وقد يتخذ إجراءات متناقضة مع أفكاره وقت الحملة، ومن ضمنها رأيه في حل الأزمة السورية الذي تغيَّر لنقيضه في أقل من أربعة شهور من بداية فترة حكم الرئيس الأمريكي.

على مدار ما يقرب من ست سنوات منذ بداية الصراع في سوريا في 2011، ظلت الولايات المتحدة الأمريكية – في عهد رئيسها السابق باراك أوباما – في صف معارضي النظام السوري، وشهدت توتّرًا في العلاقات مع كل من يدعم نظام بشَّار الأسد، بدايةً من إيران، وانتقالًا إلى روسيا. كما أكدت الولايات المتحدة على لسان مسئوليها على مدار هذه السنوات؛ سواء كان باراك أوباما، أو هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية السابقة، أو غيرهما، على أنها لن تدعم بشَّار الأسد بأي شكل من الأشكال، كما أنها لا توافق على أي حل للأزمة يتضمن وجود بشَّار الأسد في السلطة، أو في مستقبل سوريا بأي شكل من الأشكال.

(تعليق الصورة: ترامب في المملكة العربية السعودية)

ولكن، بوصول الرئيس الجديد، دونالد ترامب، إلى الحكم، فإنه جاء في بداية الأمر برؤية تجاه الأزمة السورية تتمثل في عدة نقاط، أبرزها: التوقف عن دعم المعارضة السورية بأي شكل من الأشكال، وذلك بالرغم من طلبها المساعدة منه، بالإضافة إلى التحالف ودعم نظام بشَّار الأسد عن طريق التحالف مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فضلًا عن اعتباره أن «تعزيز نظام الأسد هو الطريق الأفضل للقضاء على التطرف الذي ازدهر في فوضى الحرب الأهلية، والذي يهدد الولايات المتحدة».

لكن الوضع اختلف تمامًا بعد مرور أربعة أشهر فقط من بداية حكم ترامب؛ فتغير ترامب من الصديق الوفي والداعم للأسد لعدوه الذي يقاتله؛ إذ شرع في ضرب مواقع سورية تابعة للنظام السوري بعدد من الصواريخ؛ بعد ما عُرف إعلاميًا باسم «مجزرة خان شيخون».

تسرُع ترامب دفعه إلى إصدار 58 قرارًا تنفيذيًا خلال عامه الأول في البيت الأبيض، في الوقت الذي أصدر فيه الرئيس السابق أوباما 41 قرارًا فقط في العام الأول، بينما شاركه بوش الابن في الرقم بوصوله لـ56 قرارًا في الفترة نفسها.

الاقتصاد.. وعود بالإصلاح ولا شيء ملموس

وعد ترامب بالعديد من الإصلاحات الاقتصادية، والتي كانت بالأساس تخدم رجال الأعمال والشركات الكبرى، بالإضافة إلى أعماله الشخصية، كما ظل دائمًا مرددًا جملته الأشهر «سنجعل أمريكا عظيمة مجددًا»، ولكنه، وبعد عام، يبدو أن الوضع الاقتصادي الأمريكي يتدهور أيضًا، وذلك بالنسبة للمواطنين العاديين، بالإضافة لرجال الأعمال أنفسهم؛ فلم يفِ ترامب بوعوده بتخفيض الضرائب المفروضة عليهم.

وبالرغم من النقاط الإيجابية لترامب، فإنه ساهم في توفير أكثر من 2 مليون وظيفة خلال عام 2017 للمواطنين الأمريكيين (علمًا أن ارتفاع عدد الوظائف بدأ مع أوباما)، إلا أن الجميع ما زال يشعر بالقلق إزاء المستقبل الاقتصادي للولايات المتحدة؛ فحتى الآن فشل الرئيس ترامب في تمرير قانونه الضريبي الجديد؛ مما أدى إلى خروج عدد من التظاهرات ضده من أجل إعلان بنود مشروع القانون الذي يحاول تمريره عبر الكونجرس، وذلك في يوم الضرائب الموافق 17 أبريل نيسان 2017 الماضي. ولكن يبدو أن ترامب لم يكن صادقًا أيضًا بشأن هذا القانون، فقد أكد ترامب في بداية الشهر الماضي أن قانون الضرائب داخل الكونجرس وجارٍ تمريره، على الرغم من أنه لم توجد أي قوانين للضرائب مرَّت على الكونجرس.

المخاوف بشأن الاقتصاد والتجارة في الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت في تزايد؛ بسبب التهديدات التي يبثها ترامب طوال الوقت تجاه الصين وغيرها؛ فقد هدَّد ترامب بحربٍ تجارية مع الصين على سبيل المثال. وكان ترامب قد ذكر أثناء حملته الانتخابية أن من ضمن وعوده في أول 100 يوم من رئاسته للولايات المتحدة الأمريكية أنه سيقوم في أول يوم له في البيت الأبيض بتسمية الصين بدولة «تتلاعب بالعملة»، بالإضافة إلى شروعه في إصدار رسوم جمركية عقابية تُقدَّر بـ45% على الواردات الصينية. فضلًا عن احتمالية حدوث مواجهة عسكرية مع الصين في بحر الصين الجنوبي وشمال كوريا الجنوبية.

وعن هذا، أعلنت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في وقتٍ سابق، أن مثل هذه الإجراءات قد تتسبب في ركود اقتصادي بالصين؛ مما قد يدفعها للانتقام عن طريق منع تجارة الولايات المتحدة من أسواقها، وهو ما يضر بالمستهلكين الأمريكيين الذين لن يتمكنوا من شراء المنتجات التي يعتمدون عليها، بالإضافة إلى ارتفاع التضخم المحتمل.

وفي الحقيقة، معظم الإجراءات الاقتصادية التي ساهمت في بقاء الاقتصاد الأمريكي واقفًا على قدميه، هي قراراتٍ سابقة للرئيس السابق باراك أوباما؛ فهذه السياسات هي التي أدت إلى ارتفاع الأسهم في الأسواق، وتقليل معدلات البطالة في جميع أنحاء البلاد، بالإضافة إلى بقاء أسعار الفائدة منخفضة.