التطرف لاينتج تظرف، بل ينتج تطرف مثله، ومناقض له.

اخترنا لك

هائل سلام:

ولأن هناك من يتطرف في تقديم هويته الدينية الجزئية الخاصة ليفرضها كهوية للهيمنة والسيطرة والقهر والقسر والتحكم، فمن الطبيعي أن ينتج تطرفه هذا تطرفا مقابلا، ويدفع الناس – دفعا – الى التفتيش عن هويات وطنية أو قومية، ماقبل إسلامية : سبئيون/حميريون، أقيال/ عباهلة … الخ.

فنزعة طمس التاريخ، لإماتة الجذور، من الطبيعي أن تقابل بنزعة مقابلة لإعادة قراءة التاريخ وإحياء الجذور.

مايضعنا إزاء نوع من إصطراع هويات جزئية متنافرة ومتناحرة.

في الواقع، لاشيئ يمنع أن يكون المرء مسلما، ” سنيا أو شيعيا … “، وعربيا ” بعثيا أو ناصريا … “، ويساريا ” قوميا أو أمميا …” وعلمانيا أو ليبراليا … ويمنيا في آن .

ولكن القسر والإكراه يدفع الناس لأن يختارون النقيض. فإذا كان لايمكن للمرء أن يكون يمنيا إلا إذا كف عن أن يكون مسلما فسيفضل أن يكون مسلما، وإذا كان لايمكنه أن يكون يمنيا إلا إذا تخلى عن عروبته فسيختار أن يكون عربيا، وإذا كان لايمكنه أن يكون يمنيا إلا إذا كان مسلما فسيفضل أن يكون يمنيا …وهكذا.

وإذا كانت أيديولوجيا السلطة قومية فستكون أيديولوجيا المعارضة وطنية أو دينية، وإذا كانت عقيدة السلطة، أو المتسلط، دينية فستكون عقيدة المعارضة معادية للدين أو متحفظة عليه…

وعمليا، لايمكن طمس آلاف السنين من التاريخ اليمني القديم، مثلما لايمكن شطب 1400 سنة من التاريخ اللاحق. فتلك عناصر مكونة للهوية، إما أن تتكامل أو تتنافر وتتصارع.

الهوية ليست مسألة إختيارية ” إذ هي التي تختارنا ولسنا نحن من يختارها “. على أن بعث الهوية ” القديمة ” مفيد بالقدر الذي لايتحول فيه إلى أيديولوجيا تقصي ماسواها، إذ يكفي أن يذكر بعنصر مهم من عناصر تشكيل الهوية، وصولا الى حالة توازن مثلى تتسق فيها كل العناصر المكونة بتناغم خلاق.

التاريخ – حسب توينبي – قائم على أساس مما يشبه القانون ” التحدي والإستجابة ” وطمس الهوية اليمنية، بعنصرها التكويني الأساسي، يمثل تحديآ يستدعي، يستثير، ويحفز الإستجابة، على نحو مايفعله الشباب حاليا.

وليس هناك مايبرر الهجوم على مايفعلونه طالما كان مايفعلونه ” إستجابة ” – للتعبير عن عنصر تكويني أصيل وجوهري – لاتؤذي ولاتقصي ولا تلغي، بل تذكر وتفصح وتجلي.

هي – حسبما أفهم – ردة فعل طبيعية نفسية وثقافية، تمثل إستجابة ظرفية، حرجة وحيوية، لتحدي طارئ، والعجب حقا ليس في أن تكون، وإنما في ألا تكون.

على أن الدولة – بماهي إطار الهوية – هي المحك النهائي لنجاح أوفشل الأفكار والأيديولوجيات، وللعقول أساسا.

فلاقيمة لأية أفكار أو أيديولوجيات أو عقول خارج إطار الدولة ” الجامعة ” التي هي الروح الموضوعية الجمعية لأفرادها، المؤطرة لإجتماعهم السياسي، الإجتماعي، والثقافي حسب هيغل، والضامنة لحريتهم وغايتها،
حسب إسبينوزا.
***

أحدث العناوين

نصائح ضرورية لمرضى القلب في رمضان.. تَعَرف عليها

مرضى القلب المسموح لهم بصيام رمضان ملتمون بتجنب بعض التصرفات الخاطئة التي ستعرضهم للخطر وهنا سنتعرف على بعض النصائح...

مقالات ذات صلة