تعز..رأس الفرجار

اخترنا لك

الخبر اليمني:

   صلاح الدكاك:

إذا كان بالمقدور الحديث عن «قضية جنوبية»، عطفاً على حقيقة أنه كان لجنوب اليمن دولة مستقلة قبل مايو 1990، فإن الحديث عن فضية تعزية يبدو مستحيلاً وضرباً من الهراء. مثلت تعز على مدى قرون مضخة اجتماعية شغلت الشح السكاني على اتساع المساحة الجغرافية اليمن الطبيعية جنوباً وشمالاً، وكان أبناؤها على الدوام موجودين خارجها، في النطاق اليمني وفي القرن الأفريقي، والأقلمة أو الانفصال يمثلان نكبة لتعز، لا أمراً يبعث على الابتهاج كما يتوهم بعض السذج والكثيرون من الخبثاء.

يقول الماركسي، سلطان أحمد عمر، في كتابه «نظرة في تطور المجتمع اليمني»: إن تعز هي ريف عدن الذي لا وجود لعدن بدونه. وبوسعنا القول إنها ـ كذلك ـ ريف سكاني يمد المحافظات اليمنية شرقاً وغرباً وشمالاً بالأيدي العاملة الحرفية والمهنية والإدارية والتجارية والسياسية، ولا يمكن أن نتصور يمناً بدونها أو أن نتصورها بدون اليمن.

إن هذه الحقائق الجيوسياسية والتاريخية هي على وجه التحديد ما يجعل المضاربين في مزاد الهويات الإنعزالية من المنتمين إليها عاجزين عن رسم حدود واضحة لها خارج فسحة الهوية الوطنية الكبرى، أو الاتكاء على ذرائع مادية تسوِّغ انسلاخها عن الخارطة اليمنية. لذا، فإن كل دعوة من هذا القبيل هي بمثابة مؤامرة على المدينة ودفعها إلى حتفها الحتمي تلطياً خلف يافطات «الفدرالية» البراقة، وتذرعاً بحب المدينة وإطراءً على «خصوصياتها» التي لم تتمظهر ـ بطبيعة الحال ـ إلا في فضاء الهوية الوطنية الواسع الرحب، وبالنكوص عنه فإنها تموت وتذوي ولا ريب.

لا تعدو المبادرات الأخيرة التي تقدمت بها بعض الشخصيات السياسية المقيمة في الخارج منذ بدء العدوان على اليمن، كونها ضربات حظ أخيرة يحاول أصحابها من خلالها ضمان موطئ نفوذ في المشهد اليمني السياسي مستقبلاً، من خلال اختزال المدينة جهوياً في شخوصهم، مدفوعين بالخشية من أزوف زمن الإستثمار على وقع المتغيرات الجنوبية المتمثلة في انتعاش ورقة «الإنفصال»، كما وعجز تحالف العدوان عن تركيع القوى الوطنية شمالاً، ونجاح هذه القوى في دحر مشروع الأقلمة عسكرياً وسياسياً واجتماعياً.

كان بوسع تلك الشخصيات الحيلولة دون خراب المدينة ووقوع أحياء الكثافة السكانية فيها تحت سيطرة «إخوان الشياطين» من «القاعدة» و«داعش» ومختلف شذاذ الآفاق، إلا أنها ـ بطبيعة الحال ـ لم تدلُ بدلو المبادرة حينها خوفاً من أن يجلب عليها ذلك غضب أربابها في تحالف العدوان الأمريكي السعودي، وفضلت الصمت عوضاً عن أن تجنب المدينة مصيرها الكارثي أو تسهم في الحد منه.
الهزلي في تلك المبادرات – مجازاً – هو أنها مستمرة في تقزيم تعز وشرنقتها كفضاء انعزالي لا صلة له بمجمل العدوان على اليمن، سعياً خلف سراب «الخصوصيات المتخيلة». كتبت قبل نحو عقد تقريباً ما مفاده بأن «تعز تشبه رأس الفرجار بموقعها من الخارطة اليمنية شمالاً وجنوباً، وعليه فإن الوطن يضيق أو يتسع وفقاً لتطلعات القابض على هذا الرأس».

ترتيباً عليه، يمكن الجزم بأن مخططات العدو قد باءت بالفشل حتى اللحظة؛ لأن رأس الفرجار لا يزال في قبضة القوى الوطنية والجيش واللجان. وانطلاقاً من هذه الحقيقة، فإنه لا خوف على الجنوب ولا على الشمال من نزوات ومراهقة غلمان التحالف الأمريكي السعودي الرامية لشرذمة وتمزيق الخارطة تذرعاً بمظلوميات لا تُحل إلا على طاولة حوار وطني خالص، بمنأى عن هيمنة ووصاية قوى الإستعمار والاستكبار العالمي ووكلائها في المنطقة.

 

*نقلاً عن موقع “العربي”.

أحدث العناوين

A German attack on “Houthi” with the failure of the European mission in the Red Sea

On Tuesday, Germany launched an unprecedented attack on Yemen, coinciding with its confirmation of the failure of the European...

مقالات ذات صلة