حكاية رصيف ” حينما يختزل الوطن على هيئة ” ميزان “

اخترنا لك

الخبر اليمني / محمد الصلوي …

هذه مدينة صنعاء كأنها فتاة في مقتبل العمر , رغم مرور عامين على القصف الذي طالها وما زال , لكنها تشعرك بالراحة والأمان , وبذات حينما تسدل ضفائرها , وتحمر خدودها أمامك , لا تستغرب هي تقوم بهذا الشيء أمام الجميع, لهذا كانت دائما وجهة لأي كاتب , يريد أن يمارس مشاكسته على الورق , لينسج من حكايتها قصة لم يرويها احد , وتترنح لتصبح ملاذ لأي صحفي ليأخذ من اشتهى من خدودها , ليصور أجمل اللوحات .
نزلت موقع الخبر اليمني, ليوثق بعض من حكاياتها اليومية , لتنقله لكم , فشوارع صنعاء مليئة بالحكايات والأحداث , ففي هذا الشارع ستجد شباب يتحدثون عن الفن , وهناك آخرون يسردون قصص التاريخ , وهناك من يناقش وضع البلد السياسي , والأخر يتحدث عن الحرب .
وفي الشارع الأخر ستجد أناس منشغلين بتسديد فاتورة الكهرباء وسعر الرغيف . وكل شارع ستجد أناس لهم قصه .
وحينما كنا نتجول لننقل لكم الصورة لصنعاء المتمثلة ” بالحرب والسياسية والوضع الاقتصادي والفن و” والتي تعتبر من اختصاصنا , وجدنا ما هو أهم من هذا كله , وجدنا في كل شارع رصيف , ولكل رصيف حكاية لم تروى في رواية أحداث صنعاء .
هنا على هذا الرصيف طفل لم يبلغ الخامسة عشر من العمر يفترض أن يكون في المدرسة الآن , لكن ظروف الحياة القاسية هي من جعلته يقف طوال اليوم تحت الشمس لبيع عبوات الماء للماره.
وفي الزاوية الأخرى , أمراة بلغت من العمر عتيا , تحمل في يديها صحن وعلية بيض تبيعها لأطفال المدارس, وكأن رعشة يديها تقول لو كان لي ولد ما كنت هنا الآن , فهنا اوقفنا سؤال واحد ما لذي جعل هؤلاء يبحثون علي الحياة حتي لو كانت علي الرصيف ؟!!
وانا أشاهد تلك المناظر رأيت في ركن الشارع طفل لم يبلغ الثالثة عشر من العمر ويضع إمامة ” ميزان ” مُربع الرجلين ويتكئ علي يديه ينظر إلي أقدام الماره بعينين جاحظتين بهما هموم هذا الكون , لا يبتسم سواء ابتسامة خفيفة حينما يقول له احدهم ” اشتي أوزن ” اقتربت منه نظر إلي , فقلت له ” أشتي أوزن ” ابتسم ابتسامة خفيفة , أكملت الوزن , فقعدت الي جواره فقلت له أنا صحفي وأريد إن أكتب عنك , قاطعني ” انتم الصحفيين تستغلون أوضاعنا ” قاطعته ومن الذي قال لك هذا الكلام ؟ وثانياَ انا لست من هولاء الصحفيين انا فقط أريد ان اكتب عن حالتك ومالذي دفعك للخروج الي الرصيف أريد ان أكتب شي غير ما يكتبه الآخرون , كنت أقول أكيد انه لم يفهم ما اقصد , نظر إلي واطمئن لا اعرف ربما شكلي او أسلوبي اللطيف معه جعله يثق بي و قال بلهجته المحلية ” هيا أتكلم ما تشتي تقول ”
أحمد صالح عبد السلام ألسلامي , من محافظة ريمة , عمره اثنا عشر عاماً , يدرس في الصف السادس , كان يعيش هو واسرتة في ريمة , فأتنقل مع والده واسرته الى العاصمة كون والده يشتغل في أحد مطاعم صنعاء , وفي احد الليالي قبل ثلاث سنوات تعرض والده لحادث سير أدي بحياته , وخلف وراءه زوجته وثلاثة أطفال أكبرهم أحمد , هنا بداء احمد قصته مع الرصيف , فلدية أخ اصغر منه وأخت هي الصغرى وأمة المريضة التي لم تتحمل صدمة رحيل زوجها , مرت ثلاثة أشهر وهم يعانون بعد إن فقدوا عائلهم الوحيد , تحمل أحمد عبء الحياة وضاقت به السبل فلم تجد أمه شي سواء إن تبيع خاتمها الذهب الوحيد , وتشتري بقيمته ” ميزانان ” واحد لأحمد والثاني لأخيه عبدا لله , ومن ذلك اليوم وأحمد لم يفارق ميزانه , يعيشون في غرفة مترين في مترين , هنا توقف أحمد عن الكلام , لأن احدهم قطع حديثنا يريد ان يوزن , بعد ان أكمل عملة عاد ليكمل , في الصباح يذهب الى المدرسة ليعود للغرفة ويجد أمه تطبخ الغداء المكون من وجبة واحده هي ” الرز ” مذ ثلاث سنين لم تتغير , وبعد الغداء يأخذ ميزانه ويذهب الى شارع وأخيه الأصغر الي شارع أخر , يظل يحدق في عيون المارة وإقدامهم لعل احدهم يشفق عليه ويطلب الميزان , وحين يأتي المغرب يأخذ ميزانه ويعود الي الغرفة .
طيب كم تحصل باليوم ؟ هكذا سألته , فقال ” ثلاث مائة , مائتين , وأحياناً لا شي” , هكذا يعيش احمد واسرتة , بمبلغ زهيد جدا , لا اعرف كيف يتم تقسيم هذا المبلغ للإيجار أم للأكل؟ , حاولت ان استفسر من ذلك لكنه رفض الحديث في هذا الجانب فقال ” خليني اطلب الله ”
أحمد ايش رأيك أساعدك واشتغل بدالك , أنت ترتاح شويه وانا أجلس جنب الميزان , وافق علي الفور , كان يريد ان يعيش دور المار أمام احد يمتلك ميزان , يعله يجد جواب على عدم تجاوب الناس معه , جلست أمام الميزان وصرخت ” وزن نفسك ” وعلي عشرين ” وزن وعلي عشرين ” كنت أشاهد إقدام المارة لعل احدهم ينظر لحذائه ويشاهدني وانا اصرخ , لكن لا فائدة , شعور لا يوصف أحسست بمسامير تعبر شرايني , ما أصعب ان تصرخ وتستنجد لعل احدهم يصغي اليك ويقوم بعمل شيء سيوفر الخبز لأخوتك هذه أليلة .
عاد احمد واخذ مكانه السابق , وقال لي يا “أخي خلينا نطلب الله لا تشغلناش ” , قلت له طيب باقي كم سؤال ؟ يا احمد ما تخفش من القصف وكيف تعمل لما يقصفوا ؟ أحمد
يرفع حاجبيه ويقول ” ما بين اخفش من القصف , بس هؤلاء السعاوده ما يشتوا مننا , بدل ما يدو لنا زلط بالطائرات , ادوا لنا صواريخ ,, كانوا عيرجموا لنا بزلط نشتري ميزان كبير بدل هذا , لكن انا ما بين اخفش علي نفسي من القصف بين أخاف علي الميزان أخاف يكتسر ” أحمد ينام والميزان بحضنه عند القصف , يخاف عليه أكثر من نفسه , لأن الوطن بالنسبة لأحمد هو ذلك الميزان القابع أمامه الآن .
طيب أحمد ايش الموقف إلي زعلت فيه جدا غير فقدان والدك ؟
, قاطعني عتخليني اطلب الله لكنة أردف , عندما أتكسر الميزان , أحدهم ذات يوم مر علي الرصيف ولم يرى الميزان إمام احمد فركلة حتى انكسر , فحينما أتي ليطلب قيمة ميزانه المكسور رد عليه ذلك الرجل المتسلح بقطعة سلاح علي كتفة , هذا رصيف للسير مش للموازين , هكذا يشرح أحمد أصعب موقف تعرض له غير فقدان والده , أحسست أني أصبحت ثقيل على احمد قلت أخر سؤال يا أحمد وأزيد أوزن بالميزان مرتين , قال يلا سريع بس خليني اطلب الله , لما تكبر ايش تشتي تكون , أشتي يكون معي ميزان كبير , من الي يقول ” مرحبا أهلا بكم , ذلك الميزان الذي يوزن الحجم والطول , لكن لما أكبر زيادة أشتي أوقع مدرس , أكملت حديثي معه وتركته لتلك الهموم التي أثقلت كاهله , فأنا لا أملتك شئ سواء هذه الكلمات التي أحاول ان أصور بها قصه أحمد للناس ,هكذا تركته وهو يصرخ بصوته المبحوح ” وزن نفسك وعلي عشرين , وزين نفسك وعلي عشرين ”
هذه كانت حكاية واحده فقط من الإلف الحكايات لأناس خذلهم الوطن والمجتمع ليصبح بعد ذلك الرصيف هو وطنهم البديل ولكن حتى الرصيف يخذلهم أحيانا .

أحدث العناوين

مقالات ذات صلة