“اليدومي” في خطابه الأخير عن “الإصلاح”: “الشيطان يعظ”.!

اخترنا لك

د.صادق القاضي:
بدأت الموأمرة عشية الـ” 13 من سبتمبر 1990م”. طلب الرئيس “صالح” من الشيخ “عبد الله الأحمر”، الانفصال بـ “الإخوان المسلمين” وبعض مشايخ القبائل، عن “المؤتمر الشعبي العام”، لتأسيس حليف ديني يمكنه من خلاله ضرب “الحزب الاشتراكي اليمني” دون الإخلال بتعهداته والتزاماته تجاه هذا الحليف الرسمي، والشريك الشرعي في النظام، وتوقيع اتفافية الوحدة!.
في هذه الكواليس التآمرية -حسب مذكرات الشيخ الأحمر- تأسس “التجمع اليمني للإصلاح”، كذراع دينية لصالح، ومعارضة مشبوهة للنظام، وأداة غدر لئيمة لنسف الوحدة الوطنية، والتنكر للتعهدات السياسية والالتزامات الأخلاقية بين شركاء الحياة السياسية، والانقلاب على النظام التوافقي.
هكذا بدأ “الإصلاح”، أما ما يقوله وما لا يقوله “محمد اليدومي”، في خطابات التأسيس، فيتبلور على وهج جناس تام بين الرجل وحزبه من حيث البدايات والمآلات، والطباع والمهمات المتجانسة طوال تاريخهما المشترك.
كجماعته الراديكالية المخضرمة التي تأسست مراراً من قبل، وُلد اليدومي في أحضان السلطة، قريبا من أصحاب القرار. مواهبة المتعددة، خاصة على الصعيد الأمني والسياسي، أهلته في البداية ليكون الظل واليد المرعبة لرجل الاستخبارات الشهير،”محمد خميس” رئيس “جهاز الأمن الوطني”:
“كانت مهمته تعذيب اليساريين، وكان هو الوحيد المتخصص بانتزاع المعلومات منهم ونزع أظافرهم.!
كان المقدم “محمد خميس” يعذّب بناء على معلومات لديه، وكان صاحبنا الإسلامي هذا يعذبك من أجل التعذيب، ويعذبك حباً في الله وتقربا إليه.!
كان عقائديا في تعذيبه.
كان يخرج من غرف التعذيب وجزمته مغسولة بالدم.!
كان معذِّبا من طراز فريد.
كان يعذّب بحب وبلذة وبمتعة وبإخلاص.. !
كان يمارس التعذيب كأنه يمارس الجنس..!”
هذه شهادة الشاعر والكاتب اليمني الكبير “عبد الكريم الرازحي”، عن تجربته المباشرة مع اليدومي، ولقائهما في أسوأ زمان ومكان للقاء بين كاتب يساري متحرر، وجلاد نظام قمعي.
لاحقاً. مواهب وعلاقات اليدومي الأخرى سرعان ما مكنته من لعب دور أكبر في نظام صالح، ليفرض نفسه في إدارة أحد أجنحة النظام، على رأس المعارضة الزائفة لجماعة الإخوان المسلمين.
بما يليق بهذه البدايات المتجانسة، تحدث اليدومي، في خطابه الأخير، بمناسبة الذكرى الـ (٢٧)لتأسيس حزبه، عن مثالية هذا الحزب، ومواقفه النبيلة، وتاريخه النقي، وملاحمه البطولية.. منذ تأسيسه “المبارك” حتى الآن.
كما شتم الرجل مخدوميه القدامى، وخصومه الجدد، وكمحاولة بائسة لإضفاء صفات المسيح على يهوذا الأسخريوطي. أوغل في الجنوح الإنشائي، وهو يتحدث بشكل دعائي إدعائي عن جماعته، باعتبارها ثورية جمهورية سبتمبرية مدنية وطنية ديمقراطية سلمية، ضد الكهنوت والفساد والعنف والإرهاب..!
لكن الحقيقة هي على العكس تماماً، بدايةً
بموقف إخوان اليمن من ثورة ٢٦ سبتمبر المجيدة، وحروب الثورة والجمهورية، طوال ستينيات القرن الماضي.
إن مما لن ينساه التاريخ اليمني لإخوان اليمن، في تلك الفترة، أنهم وقفوا ضد التدخل المصري، ومع التدخلات السعودية، بل وقاتلوا في الصف الملكي لأسباب عديدة تتعلق بالأموال السعودية من جهة، وجهاد المد القومي من جهة أخرى، ومن جهة ثالثة امتثالا لتوجيهات الجماعة الأم في مصر، والتي قررت الانتقام من عبد الناصر، بإغراقه في المستنقع اليمني، وجعله مقبرة لجنود النظام القومي الناصري.
بشكل عملي، ومن بين جهود كثيرة، لـ “إخوان” كثيرين. قاتل الجنرال “علي محسن الإحمر”، تسع سنوات مع الملكية، ضد المد القومي لسبتمبر، وكذلك وقف اليدومي الأب والابن، موقفا مناوئا لقوى الثورة، وفي الجبهة نفسها كان الزنداني وبقية الجماعة يقومون بالإرجاف السياسي، وبث الاشاعات والدعاية السياسية ضد الثوار، وتوظيف الإسلام ضد الجمهورية، حتى أن “يحيى الفسيل” أفتى بعدم صحة صلاة من صلى وفي جيبه ريال جمهوري!
سيتذرع بعضهم بموقف “الشيخ عبد الله الأحمر”، ومع ذلك فحتى هذا المؤسس الذي قاتل في الصف الجمهوري لأسباب خاصة معروفة، لم يكن إخوانيا بشكل أيديولوجي، وفيما بعد كان من أبرز من تآمر على جمهورية “السلّّال”، وانحاز للسعودية، ولصالحها أفرغ النظام الجمهوري من كل قيمه ومقوماته الجمهورية.
هذا هو التاريخ الجمهوري السبتمبري للإخوان، وهو -كما هو معلوم للجميع-على النقيض تماما من كل هذه المزايدات الجمهورية السبتمبرية التي تطلقها الحملات الإعلامية للإخوان، خاصةً هذا الموسم، مناكفةً للحوثيين.
على صعيد آخر، لا معنى لمزايداتهم بالوحدة اليمنية على ضوء حقيقة رفضهم التاريخي لقيامها، باعتبارها تمكينا للشيوعية الكافرة من الشمال فضلا عن الجنوب.
لكن ما حدث لاحقاً، هو أن الوحدة التي تحققت رغما عن إرادتهم، مكنتهم من الجنوب فضلا عن الشمال، بعد إعلانهم الجهاد ضد الجنوب الشيوعي، واجتياحه صيف ١٩٩٤م، وانتصار النظام الشمالي الشمولي الذي ظل متماسكا، والتخلص من”بدع” الحرية والمكتسبات الديمقراطية التي وجدت مع الوحدة.
في هذه الخلفية القاتمة تحول رفض الإخوان المطلق للوحدة إلى دفاع مستميت عن الغنائم، عبر تراجيديا مريرة تختزلها ببلاغة إطلالة أولاد الشيخ عبد الله الأحمر من نوافذ منزل الرئيس “البيض” في عدن!
في خطابه الأخير هذا، أشار اليدومي أيضاً، إلى أن حزبه:
– ضد الفساد. وهو أمر يعرفه، على الأقل، المساهمون في شركة المنقذ، وشركة الأسماك للزنداني، والمتعاملون مع شركات حميد الأحمر، وحالياً بما يتعلق بعائدات الجهاد في سبيل السعودية، وعائدات النفط في مأرب، والمساعدات الدولية للإغاثة، كاختفاء مئة ألف سلة غذائية مخصصة للجياع المحاصرين في تعز.!
– حزب وطني. وهو أمر يتنافى مع العقيدة الإيديولوجية للجماعة، وتبعيتها التقليدية لرعاة أجانب، كالسعودية وقطر، ومما له مغزى هنا، قيام حكومة باسندوة بتشييد صرح ضخم في صنعاء تخليداً لقتلى الغزاة الأتراك في اليمن، في حين لا يوجد شارع واحد حتى باسم بطل يمني واحد قاوم الغزو التركي.!
– ضد الإرهاب: كما لوكان الزنداني والمؤيد وعشرات القيادات الأخرى المطلوبة بتهمة الإرهاب لا ينتمون إلى هذا الحزب “المدرج تحت تصنيف (2A) في هيئة أولويات الإستخبارات الوطنية كمنظمة داعمة للإرهاب”.!
هذا على سبيل المثال، وفي المقابل، كخطاب شعبوي، بمناسبة حزبية، لجماعة إسلام سياسي، في اليمن، يُحسب لحديث اليدومي، هذه المرة، أنه على علاته، كان من حيث الشكل، مكثفا، واحترافيا أقرب للخطاب السياسي من الخطبة الدينية.
لكن المشكلة، في كل مرة، هي في علاقة الخطاب بالواقع، في سياق يتجاوز مجرد النرجسية وتزكية الذات، إلى الادعاء والتزييف المنهجي حد الانسلاخ عن الواقع، وقلب الحقائق التاريخية، وحتى الوقائع الطازجة، رأسا على عقب، في سخرية فجة من عقول حتى الأتباع!.
..

*المقالات المنشورة في الموقع تعبر عن رأي صاحبها وليس بالضرورة عن سياسية الموقع

الخبر اليمني/أقلام

أحدث العناوين

انفجارات في مدينة أصفهان الإيرانية..ماذا تقول الأخبار الأولية

  تحديث..أفاد التلفزيون الإيراني الرسمي أن الرحلات الجوية المغادرة من عدة مطارات إيرانية ألغيت أفادت قناة برس تي في الإيرانية الرسمية،...

مقالات ذات صلة