هادي وتدني الذكاء

اخترنا لك

محمد ناجي أحمد:

ثلاث سنوات تقريباً من الحرب، زعم فيها هادي أنه من خلال الحصار سوف يستسلم له تحالف «أنصار الله» – صالح، ويسلّم بشرعيته. اتخذ خصومه سياسة «الحرب الدفاعية»، واتخذ تحالف العدوان بقيادة السعودية شكل «الحرب الهجومية»، فكان الدفاع هو الأقوى بصموده، والأكفأ في إفشال أهداف العدوان.

سلك التحالف السعودي في بدء الحرب سياسة الضربات الخاطفة والصدمة المفاجئة، لكن طرف «أنصار الله» – صالح سرعان ما امتص المفاجأة، واستعاد توازن الدفاع، مما جعل الهجوم عبثياً يدور في حلقة مفرغة، وكأن الحرب ليست أكثر من إفراغ حمولات الصواريخ على رؤوس المدنيين!

لجأ تحالف العدوان السعودي وأدواته في الداخل إلى الرهان على إيجاد فتنة بين «أنصار الله» وعلي عبد الله صالح، خاصة حين بدأ التباين بين «أنصار الله» والتحشيد لفعالية «المؤتمر الشعبي العام» بمناسبة تأسيسه في 24 أغسطس 2017م، ففشل العدوان في ذلك، وإن كان حقق انتصاره في تخليقه للهويات المناطقية والمذهبية والجهوية على مستوى الجغرافيا اليمنية، مما يجعل من إعادة اللحمة مساراً وطنياً يحتاج إلى جهد ووقت في إطار مشروع وطني وحدوي جامع.

يقول كارل فون كلاوزفتز، في كتابه «الوجيز في الحرب» (ترجمة أكرم ديري والهيثم الأيوبي) عن استعصاء الدول ذات العمق الجغرافي والسكاني: «لقد توصلت إلى اقتناع بعد تفكير طويل بأنه لا يمكن احتلال بلد أوروبي بدون الإعتماد على فتن داخلية». وما قاله كلاوزفتز قاعدة عامة ليست حكراً على أوروبا فقط، وإنما تنطبق على كل الدول ذات العمق الجغرافي والسكاني، والتي يستحيل إسقاطها إلا من خلال الفتن الداخلية.

لقد فشلت السعودية بتحالفها ودعمها اللوجستي الدولي في أن تحقق أهدافها

يذكر الرحالة وعالم النبات، بول إيميل بوتا، في كتابه الذي نشره عام 1941م عن رحلته إلى اليمن عام 1936م، أنه «لم يتمكن العثمانيون حتى هذا الوقت من التقدم في المناطق الداخلية، وظل حضورهم محصوراً في المناطق الساحلية، ولكنهم استغلوا بدهاء الخلافات بين اليمنيين، ووظفوها بنجاح للتوغل في المناطق الجبلية» (اليمن في الذاكرة الفرنسية – ت. د.حميد عمر).

إذا كانت الغاية من الحرب هي إكراه الخصم على تنفيذ إرادة المنتصر، بعد أن يكون قد انتزع سلاح خصمه، فهل استطاع التحالف السعودي تنفيذ إرادته وأهدافه، سواء في إعادة ما سماه بـ«الشرعية»، أو بفرض أقلمة اليمن ضمن دولة اتحادية شكلاً ممزقة مضوناً؟ بل هل استطاع أن يقضي على الصواريخ التي لا زالت بعد ثلاث سنوات من الحرب تطال العمق السعودي وتطور من مداها وأثرها؟

لقد فشلت السعودية بتحالفها ودعمها اللوجستي الدولي في أن تحقق أهدافها والغاية من هذه الحرب. وفشلها يتحدد بناحيتين: عدم قدرتها على تدمير السلاح الذي يصل مداه إلى عمق أراضيها، ومن ناحية ثانية عجزها عن فرض مشروع الأقاليم واستعادة شرعية عبد ربه منصور هادي، بل عجزها عن توفير الأمن ورواتب الموظفين لـ85% من الأراضي اليمنية التي تزعم أنها تحت سيطرتها، رغم تحكمها بالموانئ ومصادر النفط والغاز.

هناك فرق بين خلخلتها للدولة وبين دسترة نظام الأقاليم. الحرب كما يرى كلاوزفتز «أداة سياسية، لا شيء مستقل بذاته». والهدف السياسي من الحرب، سواء استعادة ما سمته بـ«شرعية هادي» أو فرض نظام الأقاليم، لم يتحقق. في المقابل، فإن التصدي للعدوان حقق نجاحاً في تدمير جزء من قوة العدوان الإقتصادية والعسكرية وسمعتها دولياً بخصوص جرائم الحرب، بالحجم الذي يجعله يعيد النظر في مخططاته، وربما في إعادة النظر في أهدافه من الحرب.

وإذا كانت كل حرب لا بد لها من تلازم لثلاثية «الذكاء والشجاعة والسلاح»، فإن عبد ربه منصور هادي يفتقد إلى الذكاء والشجاعة، ليصبح السلاح متخبطاً بيد قيادة سياسية تفتقد للذكاء والشجاعة، في حين أن تحالف «أنصار الله» – صالح لا تنقصه الشجاعة ولا الذكاء ولا استخدام السلاح بشكل نوعي ومؤثر. ففي حين يقيم هادي عاجزاً في الرياض، يصبح السلاح بيده وحيداً، أعمى البصيرة ومتخبطاً، تارة يزعم أنه سيحسم الصراع عسكرياً، وتارة يقول إن الحرب لن تؤدي سوى إلى مزيد من الدماء والدمار، كل ذلك في تزامن بين القولين.

يتميز هادي بقلة الإنفعال، وبرودة في العواطف، وضعف في التقدير، وهو ما يسميه كلاوزفتز بـ«اللمفاوية أو البلادة». على عكسه يأتي أداء الحوثي – صالح، اللذين ترتفع انفعاليتهما وتنخفض بتحكم واضح وتفاعل مستمر مع الأحداث والتحديات.

*الآراء المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها وليس عن سياسة الموقع

الخبر اليمني/أقلام

أحدث العناوين

انفجارات في مدينة أصفهان الإيرانية..ماذا تقول الأخبار الأولية

تحديث: فوكس نيوز: مصدر أمريكي يؤكد الضربة الإسرائيلية داخل إيران، ويقول إن الولايات المتحدة لم تكن متورطة، وكان هناك إخطار...

مقالات ذات صلة