الإعلام سلاح فتاك – (( النفاق الأمريكي وسياسة ازدواجية المعايير الغربية ! ))

اخترنا لك

د.موزار رازي ((أكاديمي وخبير استراتيجي)):

انقضى عام 2014م ، والسيد الأمريكي كعادته يصر على التفرد بسياسة العالم ومصير الشعوب ضمن عباءة الخداع والنفاق ، ولم يتغير حال السياسة الأمريكية منذ نشوئها وحتى الآن فمن يراجع مواقف قادتها طول العقدين الماضيين في اعقاب تفكك الاتحاد السوفياتي يجد أن الساسة الأميركيون لم يتوقفوا عن الخداع والنفاق ، بان النظام الرأسمالي الأميركي من جميع النواحي “الديمقراطية والحرية والمساواة والاقتصاد ومنظومة القيم والاخلاق الأميركية” هو المثال الذي يجب أن يسود في العالم، وعلى جميع الدول الاقتداء به وتطبيقه، وراحت الادارات الأميركية تعطي لنفسها حق اخضاع الدول والشعوب التي ترفض الانصياع للقيم الأميركية أو بالأحرى للنموذج الأميركي، بذريعة أنها قاصرة وتحتاج إلى من يرشدها ويعلمها كيفية ممارسة الديمقراطية واحترام حقوق الانسان.

 

تحضرني في هذا السياق مقولة شهيرة لـتوماس جيفرسن ثالث رئيس للولايات المتحدة ((أرتعدُ جزعاً على بلادي عندما أفكر بأن الله عادل)) ، آنذاك لم تكن بلاده قد دَمَّرت هيروشيما بالقنبلة الذرية، أو أبادت ثلاثة ملايين فيتنامي، أو شرّدت وجرحت وقتلت ملايين العراقيين والأفغان، ولم تكن حينها قد أصبحت القوة العظمى التي تغطي نفقات جرائم حرب إسرائيل ضد العرب وتتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر في شؤون الدول والشعوب لاستغلال ثرواتها ومواردها مهما كان الثمن من قتل ودمار وتهجير.

تسعى الولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية العالمية وحلفائهما لاستخدام أحدث أسليب التضليل والخداع الاعلامي . فوسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية تتزاوج فيها الكلمة والصورة لإعطاء صورة معينة عن حالة ما تنطبع في ذهن الآخر. فنحن نعيش اليوم ثورة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مما دفع بالولايات المتحدة والدول الغربية باستغلال هذه الثورة المعلوماتية لشن الحروب المعرفية على دول العالم الثالث الغنية بالثروات الطبيعية وخاصةً الدول العربية والإسلامية وتحاول أن تظهر أمام الرأي العام الخارجي صورا نمطية عن العرب والمسلمين تكون في معظم أوقاتها مغالطة للواقع.

 

وقد استطاعت وسائل الاعلام بخبثها أن تزرع صورة الرجل المتفوق في ذهن المواطن الأمير كي من خلال سيل من البرامج وهي :” الرجل المتفوق” و” المرأة لمتفوقة ” وغيرهم …وفي هذه الأفلام يقوم الأمريكي في مواجهة أعنف المعارك ودائماً يخرج منتصراً بأقل قدر ممكن من الخسائر … ولذلك يعتقد الأمريكيون أن الفرد الأمريكي هو الأقوى على الإطلاق وأقدرهم على مواجهة الصعوبات والتغلب عليها .

 

ومن أهم الأساليب التي اتبعها الإعلام الغربي عامة والأميركي – الصهيوني خاصة ً، وذلك لكسب الرأي العام ، كان أسلوب التضليل الإعلامي ومن الأمثلة الكثيرة – حجب الأسباب الحقيقية لحرب الخليج والعراق وأفغانستان عن الرأي العام . ومن هذه الأساليب التي أتبعتها الإدارة الأمير كية لتبرير زج نصف مليون جندي على بعد عشرات آلاف الكيلومترات من دولهم ، حيث قامت الوسائل الإعلامية من ثم دغدغة عواطف الأميركيين بالأمور التي يعتز بها ويحافظ عليها ، ويعمل لأجلها كل أمير كيي وهي “الحرية والعدالة والنظام العالمي” بإثارة المخاوف من ازدياد خطر امتلاك أسلحة دمار شامل من قبل النظام العراقي . وللأسف فقد نجحت وسائل الإعلام بتعبئة وتضليل الرأي العام بهذه الخديعة .. ونفس الأسلوب ينطبق على تسويق الاعلام للحرب على أفغانستان “تحت ذريعة الحرب على الارهاب – المتمثل بشخص بن لادن الذي صنعته أمريكا بنفسها”

 

وكان من الواضح أن الإدارة الأمير كية بواسطة إعلامها المكثف أظهرت أن الأسباب الرئيسية للحرب هي الانتصار للحرية والديمقراطية والتخلص من القيادة النازية واقتلاع الارهاب ، والتي يمكن أن تدمر العالم لو تعاظمت قوتها ..

 

غير أنه سرعان ما تبين للعالم أن هذا النموذج الأميركي ليس فقط لا يصلح للعالم، لأنه يقوم على الخداع والتضليل وتزييف الحقائق، بل ولا يصلح أيضا للشعب الأميركي نفسه.

فالديمقراطية الأميركية واحترام حقوق الانسان في زمن الرئيس “الجمهوري” المعتوه -جورج بوش الابن- ثبت أنها مجرد شعارات فارغة تستخدم من قبل المسؤولين الأميركيين لفرض الهيمنة على دول العالم واخضاعها للمشيئة الأميركية, وهذا ما كشفته الفظاعات والمجازر الأميركية في العراق وافغانستان وتعذيب السجناء في سجن ابو غريب، ودعم الإدارات الأميركية المتعاقبة للكيان الصهيوني العنصري الاستيطاني وحمايته من أي عقاب دولي على المجازر الوحشية التي ارتكبها في لبنان وفلسطين ولا يزال.

وتبعه الرئيس “الديمقراطي” المتردد -أوباما- وتراجعه المهين عن برنامجه الانتخابي ومواقف اتخذها خلال السنتين الأوليين لرئاسته، وتخلِّيه حتى عن المواقف “المعتادة” بالنسبة لجميع الإدارات السابقة،

 

ولذلك فمن يتابع يعلم مدى الخداع والنفاق الذي تمارسه الادارة الأمريكية بحق دول وشعوب العالم، وتستخدم لنشر سياستها كافة الوسائل بدءا من شن الحروب المباشرة وما تخلفه من قتل ودمار – وخلق الفوضى والصراعات – واللعب بالمصطلحات.. حيث تخرج علينا الادارة الامريكية بين الحين والاخر بمصطلحات، مثل: «الحرب على الإرهاب» و«الحرب بالوكالة» و «الأمن» و»الفوضى الخلاقة« و«نشر الديموقراطية » و«الشرق الأوسط الجديد» و«تقرير المصير» و«الحكم الذاتي» و«الوسيط النزيه».. التي اتخذت معاني محددة تُستخدم غالباً بشكل ثقيل لصالح طرف واحد، بعيداً عن المنطق والتوازن المفترض، وهكذا-على سبيل المثال – يقترن مصطلح «الإرهاب» في معجم المسؤولين الأميركيين والغربيين والصهاينة : بالعرب حصرا ،، بينما لا تجيز قواعد هذه المصطلحات استخدام «الإرهاب» في وصف «أفعال واشنطن وإسرائيل»، بغض النظر عما تقتلانه من المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين والأفغان والسوريين والليبيين واليمنيين ..والقائمة تطول.

 

الصراع العربي – الصهيوني

 

 

مع نهاية العام 2014 أظهرت السياسة الأميركية وجهها القبيح تجاه القضية الفلسطينية مؤكدة انحيازها المطلق ونفاقها لكيان الاحتلال الصهيوني باستخدامها حق النقض “الفيتو” واجبار الدول الأخرى بعدم دعم مشروع القرار الفلسطيني لمجلس الأمن الذي ينهي الاحتلال الصهيوني الجاثم منذ اكثر من 60 عام على صدر الارض العربية ويقر بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود العام 1967 بما فيها القدس عاصمة لها , وتم تحديد جدول زمني لينتهي هذا الاحتلال المجرم على الفلسطينيين ويعترف بحقهم المطلق بحق تقرير المصير ,وبعدها يقبل الفلسطينيين بالتفاوض المباشر مع اسرائيل لتطبيق القرار , لكن يبدو ان واشنطن لن تغير من موقفها اطلاقا تجاه اسرائيل ولا ترغب بأن تتصف بالعدالة امام العالم لأنها لا تريد خلع ثوب الهيمنة الامبريالية وتصر على اعتراضها مسبقا على مشروع القرار لتقف امام طموح الفلسطينيين والعرب سدا منيعا للحصول على العدل الدولي عبر اسقاط مشروع القرار بالفيتو وبالتالي تضع الفلسطينيين امام المرحلة التالية من الانضمام للمنظمات والمؤسسات والمواثيق الدولية التي تضع الفلسطينيين اول طريق تقرير مصيرهم دون تدخل من أي طرف كان.

 

غزه الجريحة …و((القدس … القدس.)) …يا عرب !!!

 

كما نعلم شهد قطاع غزة في عام 2014 حرباً دموية دامت 56 يوماً قامت خلالها إسرائيل بتدمير 120 ألف منزل وقتل 2300 فلسطيني وتشريد مئات الآلاف من السكان، وبدأ النزاع فعلياً يوم 7 تموز على إثر موجة عنف قامت جراء خطف الطفل الفلسطيني محمد أبو خضير وتعذيبه وحرقه على أيدي مجموعة مستوطنين، تبعها دهسٌ إسرائيلي لعاملين فلسطينيين.

 

واستمرت الحرب العدوانية على غزة حتى تم وقف إطلاق النار رسمياً في 26 آب 2014 بفاتورة ثقيلة، وأعتبر هذا العدوان حسب استطلاعات الرأي حول أهم أحداث العام الماضي من أكثر الحروب دموية في العام 2014 .

 

ولم يصدر عن الاتحاد الأوروبي ادانة واضحة للهجوم العسكري الاسرائيلي لكنه أعرب عن دعمه بقوة لحل الدولتين.

 

كما شهدت القضية الفلسطينية، تطورات بالغة الخطورة خلال عام 2014، إلا أن تلك التطورات تركت أيضا الباب مفتوحا أمام العام الحالي 2015 ليضع حدا للقضايا غير المكتملة،

 

لا يخفى على أحد أن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة ترغب في ابتلاع فلسطين ككل تدريجيا، أو على الأقل كخطوة أولى ترغب في طرد جميع المسلمين العرب من القدس الشرقية .

 

الغريب أن الكثيرين لا يعلمون أن ” إسرائيل الكيان ” لا تزال تفتقد لقانون دستوري، كما أنها لم تسجل رسميا حدودها بعد. ولم يبد بن غوريون، “أول رئيس وزراء لهذا الكيان الغاصب” ومؤسسه، رضاه حيال إقرار قانون دستوري.

 

وعليه، لا تزال “إسرائيل” حتى الآن من دون أي قانون دستوري. بدلا من وجود دستور رسمي مكتوب، فإنه بناء على «قرار هراري» عام 1948 الذي أقره “المجلس التأسيسي الإسرائيلي”، اعتمدت “إسرائيل” عدة قوانين أساسية، مما يعني أن هذه القوانين تعمل بمثابة دستور البلاد.

 

للأسف، يبدو معظم العالم الإسلامي والدول المسلمة في حالة سبات أبدي داخل كهف من الجهل، وهم مشغولون بأنفسهم عما يدور حولهم..

 

من المهم التنويه لما جاء في مقاله بتاريخ 20 /11/2014 ، ركز فيها الكاتب سركيس نعوم على خطة “إسرائيل” للقدس الشرقية، حيث ترغب “الحكومة الإسرائيليةط في تغيير هوية شرق بيت المقدس بحلول عام 2020، وهي خطة تمتد لعشر سنوات بدأ تنفيذها بالفعل عام 2010. ومن 2010 حتى 2014 دمرت “القوات الإسرائيلية” أكثر من 1000 منزل فلسطيني وشردت ما يتجاوز 3000 فلسطيني من القدس الشرقية. ومع كل يوم يمر تسير “إسرائيل” على خطى الخطة المرسومة، حيث تدمر المنازل وتشرد أفرادا وتلتهم القدس الشرقية.

 

ويعني ذلك أن “إسرائيل” نفذت بالفعل قانونها الأساسي الجديد منذ وقت طويل.

 

ازدواجية المعايير الغربية بالتعامل مع القضايا العربية:

كيف يمكن للعرب أن يستفيدوا من سياسة ازدواجية المعايير الغربية ؟؟؟ ((الأزمة الأوكرانية نموذجا))

 

كما نعلم فقد بدأ العام الماضي 2014 باندلاع الازمة في اوكرانيا ثم بدأ التدهور الحاد في العلاقات بين الغرب وروسيا الاتحادية وسط مخاوف من العودة الى عهد الحرب الباردة . بالإضافة الى الأزمات والحروب والكوارث التي تعصف في بعض دولنا العربية ولاتزال مستمرة بدون أي بوادر جدية للحل ..

 

 

وقد سارع الاتحاد الأوروبي خانعا  للسياسة الأمريكية إلى فرض عقوبات على روسيا الاتحادية والموالين لها في شرق أوكرانيا  – من جهة – وكثف – من جهة موازية – الدعم الاقتصادي والسياسي لأوكرانيا وخاصة بعد الانتخابات الرئاسية وتشكيل حكومة جديدة وتوقيع اتفاقية الشراكة مع كييف .

 

وتسببت عقوبات الاتحاد الاوروبي – أحادية الجانب – اضافة لانخفاض اسعار النفط بخسائر كبيرة للاقتصاد الروسي تجاوزت المئة مليار دولار خلال عام 2014  .

 

وفي خطوة استفزازية غير مسبوقة من قبل سلطات كييف للجارة روسيا تتناقض مع مصلحة البلدين والشعبين، صوت البرلمان الاوكراني مؤخرا – للتخلي عن سياسة عدم الانحياز- في مسعى يعتبره “قانوني” لإمكانية الانضمام مستقبلا الى عضوية حلف شمال الاطلسي والذي اعتبرته روسيا من جانبها تطورا منافيا للصداقة التاريخية بين البلدين الجارين والشعبين الشقيقين الروسي والأوكراني ونقضا فاضحا للمعاهدات المبرمة بينهما.. ولذلك من المتوقع أن يأخذ الصراع منحنى اسوأ في العام الحالي اذا لم يتم التوصل لحل سلمي وقي حال استمرت كييف بسياستها المعادية للجارة التاريخية روسيا وسارت وفق مخطط الهيمنة والتوسع شرقا “المرسوم منذ زمن بعيد” من قبل واشنطن ودول الاتحاد الأوربي .

 

ومما يدعو للمتابعة والاهتمام حول سياسة المعايير المزدوجة من منظور وسائل الاعلام الغربية نفسها حول مقارنتها العرجاء من القضايا الدولية فسنلقي الضوء على الأزمة الأوكرانية ومقارنتها مع القضية الفلسطينية حسب ما جاء في بعض وسائل الاعلام الغربية : فقد أعلنت وكالة الأنباء الفنلندية “YLE” على موقعها في الربع الأخير من العام الفائت تصريحا لوزير الخارجية الفنلندي ” ايريكي تؤمي أويا ” حول احتمال تطبيق المقاطعة على إسرائيل من قبل دول الاتحاد الأوربي

 

وفي تصريح لصحيفة “هاآرتس” الإسرائيلية قارن رئيس مكتب السياسة الخارجية الفنلندية بين الأزمة في أوكرانيا ، والتي بسببها اتخذ الاتحاد الأوربي إجراءات المقاطعة على موسكو ، وبين قضية احتلال الأراضي الفلسطينية من قبل كيان “اسرائيل.

 

وزير الخارجية الفنلندي أشار ، بأنه حان الوقت الآن أكثر من أي وقت آخر أن نسأل بموضوعية : لماذا لا يتم فرض عقوبات مماثلة ضد إسرائيل في المجالات المالية والاقتصادية. وحسب تعبير الوزير الفنلندي فإن الاتحاد الأوربي استعمل حتى الوقت الراهن “الكعكة” من أجل تشجيع دول الاتحاد الأوربي لتحقيق السلام في الشرق الأوسط ، لكن حان الوقت كما يبدو أن يلجأ الأوربيون إلى استخدام “السوط”

 

لذلك ، حسب رأي المحللين ، في الوقت الراهن “وإذا أخذنا بالحسبان التعامل مع الأزمة الأوكرانية” ظهرت إمكانية نادرة أمام العرب من أجل تفعيل الضغط الدولي على “إسرائيل” حول مسألة تحرير الأراضي المحتلة .. وعليهم واجب تفعيل شركة لفضح سياسة المعايير المزدوجة للدول الغربية التي تسير في ركاب الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوربي ، حين سارعت بشكل مثير إلى استخدام سلاح المقاطعة ضد روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية ، لأن نفس هذه الدول تعارض استخدام طرق مماثلة ضد “تل أبيب” التي تحتل الأراضي الفلسطينية ،هضبة الجولان، ومزارع شبعا في لبنان منذ عشرات السنين . وعلى قادة الدول العربية والإسلامية من خلال اتصالاتهم ولقاءاتهم مع ممثلي سلطات الدول الأوربية أن يطالبوا بشكل أكثر حزما بتطبيق المقاطعة المالية والاقتصادية على “إسرائيل” ،التي تتبنى المواقف العدائية من مسألة التسوية في الشرق الأوسط وتقوم باستمرار بانتهاك صارخ للمبادئ الأساسية للقانون الدولي وتؤدي إلى سقوط الكثير من الضحايا البشرية …

 

عدا عن ذلك ، فان على الدول العربية تقع مسؤولية تفعيل دور منظمات “الجامعة العربية” و “المؤتمر الإسلامي” و”الأمم المتحدة” من أجل نشر وتفعيل موضوع عزل “تل أبيب” سياسيا واقتصاديا لإجبارها على تنفيذ عملية تسوية حقيقية لإحلال السلام في الشرق الأوسط ..وسنورد لاحقا في بند مستقل بإيجاز كيف يمكن القيام بذلك ..

 

ولتحقيق هذا الهدف من المهم خلق شركة أو شبكة معلومات أساسية مواتية من خلال النشر في وسائل الإعلام العربية المشهورة وشركات الدعاية الإعلامية مع التركيز بشكل محوري على مقارنة ردود فعل الدول الغربية تجاه “الأزمة الأوكرانية” وردود فعل نفس الدول تجاه العملية العسكرية الوحشية التي شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة في شهر أب الماضي والتي تسببت بدمار هائل وسقوط عدد كبير من الضحايا بين السكان الفلسطينيين المدنيين .وسنفصل لاحقا..

 

الازدواجية الغربية  في معايير التعامل مع “الإرهاب”

 

ليس تجنياً ولا تحاملاً عندما نقول بأن الدول الغربية معنية قبل غيرها بتحديد مفهوم تشريعي وقانوني للإرهاب أولاً, ثم إثبات مصداقيتها في جديتها لمحاربة الإرهاب, وقبل ذلك التوقف عن خلق بؤر توتر جديدة في أي بلد كان, وبالذات في منطقة الشرق الأوسط, التي تعاني من الإرهاب أكثر من غيرها من قبل التنظيمات والعصابات التي أنشأتها تلك الدول لهدف مرحلي سرعان ما تحولت تلك العصابات والتنظيمات فيما بعد إلى كيانات إرهابية خطيرة لا تهدد الدول المستهدفة التي انشئت ضدها, ولكنها تهدد الدول التي أنشأتها, فمثلاً (تنظيم القاعدة), وفرعه (داعش) حالتان لا يستطيع أحد إنكار أنهما صناعة غربية بامتياز, كشفت عنها (هيلاري كلينتون) وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة, وأكدها الرئيس الأمريكي (باراك اوباما) عندما اعترف بعجز أجهزة الاستخبارات الأمريكية وخطأها في التقييم الحقيقي لقوة تنظيم (داعش) الذي تحول إلى مصدر خطر داهم على مختلف دول العالم وبالذات على الولايات المتحدة ودول الغرب, وهو ما يؤكد حقيقة أن الإرهاب صناعة أمريكية غربية مولتها وأوكلت إليها تنفيذ مهام استراتيجية في كثير من البلدان .

 

الحشد الدولي الجاري حالياً ضد (تنظيم داعش) إذا لم يتمكن من القضاء النهائي على هذا التنظيم, فهو إعادة مكررة لحشود مماثلة رعتها الولايات المتحدة الأمريكية وجعلتها غطاء ومبرراً لحروبها العبثية لزعزعة أمن واستقرار كثير من البلدان, والأهداف الحقيقية لهذه الحروب ومبرراتها هي التدخل في الشؤون الداخلية للشعوب وفرض الوصاية والهيمنة عليها تحت شعارات باطلة ومخادعة وصولاً إلى تمكين الإرهاب وتوظيفه لإثارة الفتن والصراعات والحروب الطائفية والمذهبية وتفكيك عرى النسيج الاجتماعي للشعوب وكذلك تفكيك وإضعاف الجيوش الوطنية.

 

إن ازدواجية معايير الدول الغربية واختلالها وعدم جدية توجهاتها في محاربة كل أنواع الإرهاب سواء الذي تمارسه جماعات أو تقوم به دول أو أنظمة ديكتاتورية , تشكك في مصداقية الدول الغربية وقناعتها في اجتثاث الإرهاب وفي التعامل مع كل ظواهره, وممارساته من منظور واضح ومعيار واحد, فالإرهاب الصهيوني المنظم الذي تمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني نموذج لتلك الازدواجية في المعايير المتعامل بها من قبل أمريكا وبعض دول الغرب, فبدلاً من أن تمنع حرب الإبادة التي يقوم بها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني أو حتى على الأقل إدانتها واستنكارها للإرهاب الصهيوني فإذا بأمريكا وحلفائها تعلن بكل صفاقة دعمها لإسرائيل وتحيزها الكامل للكيان الصهيوني وتبرر له إبادة الشعب الأعزل الذي ينشد السلام والحرية والاستقلال والتحرر من الاحتلال, والعيش في وطنه حراً كريماً في ظل دولته الفلسطينية المستقلة, ومثّل ذلك التبرير قمة الانحطاط القّيمي والأخلاقي والإنساني والحضاري, خاصة عندما اعتبرت أمريكا حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين حقاً مشروعاً لحماية الإسرائيليين من الإرهاب الفلسطيني.

 

والأمر نفسه ينطبق على كافة القضايا المتعلقة بدول العالم العربي وحقوقهم المهدورة وثرواتهم المستغلة

 

\

 

كيف يمكن للعرب صياغة استراتيجية متكاملة للإعلام العربي؟؟

يُقدر بعض المراقبون أن لوسائل الإعلام من التأثير على الرأي العام ما يفوق استراتيجيات توقيت اندلاع الحروب فلهذه الوسائل المذكورة من الآراء ما تصل إلى مستوى غسل الأدمغة نظراً لما تملكه من عناد تبثه عبر قنوات إعلامية شهيرة مرئياً ومسموعاً ومقرئا. وعقل الإنسان العادي المتوسط الثقافة لا يكاد يمر يوم أو أكثر قليلاً إلا ويلتقط العديد من الأخبار والتحاليل اللتان تجعلاه في حالة استيعاب ضبابي للأمور.

 

وأساتذة الإعلام السلبي أصبح لهم من الخبرة في نشر الأضاليل والأكاذيب على مسند (أكذب وأكذب ثم أكذب) حتى يصدقك الناس وهكذا فالعقل البشري الذي أضحى مستهدف ليتم حرفه عن جادة الحقائق ومعرفة خلفياتها يعيش اليوم ببذل قليل من الجهد الفكري لتمحيص ما يجري في العالم من مآسي وتدخلا في الشؤون الإنسانية إذا أن ما يتم تزويده به من معلومات مغايرة للوقائع وما تمثله من طرح وجهات نظر هي في الأساس لا تتعدى أكثر من فلسفات لتبرير ما يخفى من أمور.

 

ويشهد العالم حالياً تغييرات جوهرية وجذرية سريعة ومتتابعة، حيث أصبحت السمة الغالبة على المنطقة العربية هي التغيير الدراماتيكي السريع، قد يرجع ذلك إلى التطور التكنولوجي الذي جعل إدارة الدولة بالنسبة للشعوب العربية صعباً، لذا لجأت إلى طلب الحماية من الأجنبي التي أصبحت في نظر الدول العربية هي التي تقرر مصير المنطقة وتخلع من تريد وتعين من تريد، دون الرجوع أو التشاور مع أولي الأمر..

 

وبالنظر إلى واقع منطقتنا العربية وبعض قادتها ،فالوضع مخزي ومخيب للآمال، فقد وقعت في مصيدة الوحش الأمريكي، وذلك من خلال خلق منطقة صراع دائم ومستدام لتبقي المنطقة العربية تحت السيطرة الأمريكية – الصهيونية العالمية والاستعمار القديم الجديد، فقد جعلوها تقع في دائرة الصراع الذي لا ينتهي. فهي تسعى لجعل بعض قادة المنطقة تخدم مصالحها ومصالح “كيان اسرائيل” بحجة “أنه أقرب كيانات المنطقة تطورا وديمقراطية”. وللأسف فان بعض قادة الدول العربية استجابت إلى مسلسل الأحداث الجارية.. حيث بدأت في تطبيق المخطط الأمريكي المرسوم لها، فها هي قد هيمنت على “ثورات الربيع العربي” وحولت مسارها بإشعال نار الفتن الى “صراعات داخلية – أهلية – طائفية – عشائرية “وفي بعض الحالات “خلقت تنظيمات ارهابية – كتنظيم داعش وأخواتها – بجلب ثلة من الارهابيين من مختلف دول العالم الى منطقتنا العربية “، بهدف فرض الهيمنة واستغلال الثروات من قبل أمريكا وحلفائها الأوربيون ومن خلفهم!!!

 

فهي تعمل على إحداث استجابة فورية لدى “مجموعة” من المستفيدين بأفكارها وخططها من خلال سيطرتها على تكنولوجيا الإعلام، حيث نجحت في تغيير فكر هؤلاء الذيول في محاولة لتطويع العقل العربي في المنطقة لصالحها، والزيادة والقابلية للتكيف مع بيئة الصراع الحالية؛ من أجل السيطرة على البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

 

وعملت بالذات على “بعض جماعات العمل السياسي” لإجراء غسل دماغ كي تتبنى اتجاهات متطابقة مع رؤيتها، تحت ذريعة ثقافة العولمة والعلمانية ، وهذا ما نلاحظه في تبني البعض للأفكار المستوردة والغربية على الثقافة العربية. فهؤلاء يعيثون في الأرض فسادا لا قيم لهم، فهم لا يؤمنون لا بالقومية ولا بالإسلامية ولا بالوطنية “رغم حديثهم الدائم عن هذه القيم ” ، وهدفهم الوحيد إرضاء أسيادهم والوصول لتحقيق غاياتهم “والحفاظ على السلطة والمكاسب” بأي وسيلة كانت وبكل الطرق ولوعن طريق القتل والدمار وعلى حساب المتاجرة بتراب الأوطان ودماء ساكنيها .

 

لذلك فان الصراع مع الكيان الصهيوني في السيطرة على المنطقة العربية لم ينته. بل هو مستمر بأشكال متنوعة وهدفه واحد هو العداء المطلق للعرب والفلسطينيين وانهاك قوتهم وتدمير جيوشهم وخلق الفتن والصراعات بينهم ، وللأسف استطاعت هذه السياسة بدعم من عملائها – مهما كانت تسميتهم وشعاراتهم – فصل القضية الفلسطينية عن عمقها العربي، بحيث أصبحت لا تمثل شيئا ، وانتهت القضية الفلسطينية بالنسبة لهم كقضية مركزية للأمة العربية .

 

ومن الأساليب التي اتبعها الإعلام الغربي لكسب الرأي العام، وتبعه في ذلك قسم من الإعلام العربي ، إخفاء بعض الحقائق والتركيز على وجه واحد للقضية بدل مناقشة وجهتي النظر المتعلقتان بها.

 

وهكذا وحسب دراسة نشرها “مركز دراسات الوحدة العربية”بعنوان :”صورة العرب في الصحافة البريطانية” تبدو الصورة الشائعة عن المواطن العربي في الصحافة الغربية: صورة تصف المواطن  العربي على أنه مخلوق يتصف “بالأنانية” و “لا يعول عليه” . وصورة العربي في التلفزيون والسينما لا تقل عن صورته في الصحافة بشاعة إذ يبدو متعطشا إلى الانتقام ، قاسياً ، منحطاً ، مهووسا، يبتز الأمم المتحضرة بواسطة النفط – وأخيرا ألصقت به تهمة “الارهاربي المتخلف الجاهل…”؟؟

فالرأي العام العالمي تحدد مساراته ومواقفه من الدول والشعوب وسائل الإعلام شئنا أم أبينا. وقد رأينا كيف تعمد الدول الكبرى إلى الاستعانة بالإعلام وهي تمهد لعمل سياسي وعسكري ضخم ، من أجل تهيئة الرأي العام الداخلي والخارجي لقبول ذلك العمل وتأييده، كما حصل في أفغانستان والعراق . ولن يفيدنا في شيء أن ندفع بالقول بأنها حملات مغرضة ـحتى وان كانت فعلا مغرضة ـبل علينا أن نرصد باهتمام مواقف وسائل الإعلام ونتصدى لها بوعي وفكر “ولاينقص قادة دولنا العربية المال لتغطية النفقات الزهيدة”

 

إن العالم العربي مدعو اليوم أكثر من أي يوم مضى بوضع استراتيجية عربية متكاملة اعلاميا وسياسيا من أجل بناء واقع عربي جديد يوضح للعالم حقيقة مايجري على أرض الواقع .

ولهذا الغرض تقع على قادة الدول العربية مسؤولية كبرى تتلخص في أمرين :

الأول: تكريس كافة وسائل الاعلام دور الفضائيات العربية التي تفوق الخمسين قناة لتكون مرجعية للأعلام العالمي لشرح قضايانا العادلة ..

الثاني: تفعيل دور منظمات “الجامعة العربية” و “المؤتمر الإسلامي” و”الأمم المتحدة” واستخدام الثقل السياسي والاقتصادي  بهدف توضيح الحقائق والضغط بكل السبل لتحصيل الحقوق العربية المسلوبة.

ومن المهم صياغة عناصر الاستراتيجية العربية لتوحيد الرؤى والمواقف وفق الأولويات التالية :

أوّلا – وضع شبكات وقواعد بيانات معرفية للاتجاهات الإيديولوجية والفكرية في الوطن العربي .        لآنها ستساعد على معرفة الواقع العربي الذي نريد تغييره، وكذلك من شأن هذه الشبكات أن تقضي على التعميمات الجارفة عن العرب والمسلمين التي تسوقها الدوائر الغربية السياسية والثقافية والإعلامية.

ثانيا – التركيز على الاستراتيجية العربية لتفعيل دور الإعلام من خلال تبنّي موقف رشيد من ثلاثية الماضي والحاضر والمستقبل ثم حصر مشكلات التواصل الثقافي مع الغرب، ومن ضمن هذه المشكلات العلاقة بين الإسلام والغرب، ومشكلة الإرهاب، وقضية الهجرة إلى أوروبا وقضية اندماج المهاجرين في المجتمعات الأوروبية، ثم التمييز بين المقاومة المشروعة للاحتلال الأجنبي والإرهاب وتنامي العنصرية الجديدة في أوروبا.

أننا أمام قضية لا يمكن أن ندير رؤوسنا عنها. الإعلام الغربي حقيقة ضخمة، كبيرة في حياتنا السياسية والثقافية ولن تنفع محاولات التقليل من شأنه وقدرته على الإساءة إلينا.. انه قوة هائلة لا قبل لنا بها، عريقة في النشوء، مذهلة في التطور، كاسحة في التأثير تغطي القارات الخمس بلا منازع لتزرع في أذهان الشعوب ما تشاء من الصور، وتدفع بهم إلى ما تشاء من المواقف، لا تبالي في ما تتناوله من أحداث العالم بالعرض والتحليل إلا ما تراه ـ خطأ أم صوابا ـ معبرا عن قناعتها.

 

فشعوب العالم، في معظم الأحوال، لا تعرف عنا وعن قضايانا إلا من خلال ما تتلقاه من الإعلام الغربي. والعرب لا يملكون من الصحافة والفضائيات إلا ما كان عربيا يتدافع نحوه المعلقون العرب كأن العالم يرصد أقوالهم ليقف على الحقيقة من قضايانا..! والحال هو أن وسائل إعلامنا على ضعف حالها، وانغلاقها على نفسها، وعجزها عن الانطلاق عالميا قد أصبح بعضها مجالا للمزايدات وحرب المواقف والتضليل..

 

ولذلك فان البداية لوضع استراتيجية اعلامية لنشر الوعي وتصحيح المفاهيم المغلوطة والابتعاد عن التطرف والجهل يجب أن تبدأ بالإشراف على القنوات الفضائية الحالية وطبيعة برامجها وعدم السماح بنشر الفكر المسموم المحرض والمتطرف من قبل أي جهة وبأي وسيلة والعمل على إنشاء قنوات فضائية عربية ثقافية وفكرية لنشر الوعي والثقافة في العالم العربي وخاصة بين جيل الشباب “وتكون موجهه للراي العام العالمي” وبحيث تتولى إدارتها وتمويلها (جامعة الدول العربية)  لتكون بديلا عن الكثير من فضائيات المرح والغناء والخلاعة والمجون ونشر الفكر المتطرف، وعندها نكون قد بدأنا بخطوة جدية في الاتجاه الصحيح قبل أن “يفوت الأوان” و”يجرفنا الطوفان” و “يمحونا الزمان”و”يأتي السياح ليتفرجوا علينا بدل الآثار”.!!

موقع كلاود

 

الخبر اليمني/أبجدية:

أحدث العناوين

الشرطة الأمريكية تعتدي وتعتقل العشرات من جامعة كاليفورنيا واتساع الحراك الطلابي ضد الاحتلال

شنت الشرطة الأمريكية، اليوم الخميس، حملة اعتقالات أخرى ل93 طالبًا في جامعة كاليفورنيا الجنوبية ممن شاركوا باحتجاجات رفضا لجرائم...

مقالات ذات صلة