الذكاء الاصطناعي.. عنوان الحرب القادمة بين الصين وأميركا

اخترنا لك

الخبر اليمني/متابعات:

لطالما دعَّم التطور التقني ركائز الهيمنة العسكرية للولايات المتحدة، بدأ الجيش الأميركي في تسعينيات القرن الماضي في اكتساب أفضلية لا مُنافس لها على خصومها في مضمار التكنولوجيات الحربية في عصر المعلومات، من التخفي والأسلحة بالغة الدقة إلى المجسات عالية التقنية وأنظمة القيادة والتحكم. وتظل هذه التقنيات بالغة الأهمية لقواتنا اليوم.

لأعوام، راقبت الصين تطور الولايات المتحدة، وطورت أدوات غير تماثلية -شملت إمكانات فضائية وسيبرانية وإلكترونية- تستغل الثغرات في جيش الولايات المتحدة. غير أن جيش التحرير الشعبي الصيني يسعى إلى الابتكارات في عديد من التكنولوجيات الناشئة التي وضعها الجيش الأميركي على قائمة أولوياته. والذكاء الاصطناعي تقنية رئيسية من هذه التقنيات. في العقود المقبلة، يُمكن أن يغير الذكاء الاصطناعي وجه الحروب، ويصنع إمكانات جديدة تخل بالتوازنات وتغير طرق قيادة الجيوش العسكرية وتدريبها ونشر القوات. وستشكل هذه التغيرات التوازن العسكري بين القوى الكبرى في العالم.

حتى الآن، تبقى الولايات المتحدة رائدة العالم في مجال الذكاء الاصطناعي، والفضل الأكبر في ذلك لدينامية القطاع الخاص. لكن الصين تسعى إلى التفوق على الولايات المتحدة، وربما تكون قد اقتربت من تحقيق هذا، حيث بدأت القيادة الصينية في وضع الذكاء الاصطناعي على رأس أولوياتها. نشرت بكين في شهر يوليو الماضي “خطة تطوير الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي”، التي تضع تفاصيل أجندة طموحة من أجل “قيادة العالم” في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030. تدعم الصين هذا الالتزام بتمويل سخي لأبحاث الذكاء الاصطناعي المتقدمة، ومع تقدم الصين في المجال، ستواجه الولايات المتحدة تحديا جديدا من منافس مُناظر.

ألعاب العقل

لقد صارت الصين بالفعل قوةً كبرى في مجال الذكاء الاصطناعي، وفق أغلب المقاييس. تُتنج الصين تطبيقات ذكاء اصطناعي مسجلة ببراءات اختراع أكثر من أي دولة أخرى في العالم في ما عدا الولايات المتحدة، وقد نشر الأكاديميون الصينيون أوراقا بحثية عن الذكاء الاصطناعي أكثر من أقرانهم. لكن صعود الصين في مجال الذكاء الاصطناعي ليس مسألة متعلقة بالكم فقط. في 2017، استقبل المؤتمر السنوي لرابطة نهضة الذكاء الاصطناعي عددا من الأوراق البحثية من الباحثين الصينيين يُساوي ما استقبله من الباحثين الأميركيين للمرة الأولى، وهي علامة على التطور المتزايد في أبحاث الذكاء الاصطناعي في الصين. وفي نوفمبر، حصلت شركة صينية ناشئة لتطبيقات التعرف على الوجوه على المركز الأول في مسابقة أقامتها وكالة مشاريع أبحاث الذكاء المتقدمة، وهي منظمة حكومية أميركية. وبفضل مليارات الدولارات التي تستثمرها الصين في القطاعين الحكومي والخاص، وولوجها إلى كميات هائلة من البيانات، ومجهوداتها لاجتذاب أفضل المواهب وتعليمها، فإن الصين في طريقها إلى التغلب على الولايات المتحدة.

حتى الآن، تميل كُبرى الشركات التقنية في الصين -وأبرزها بايدو Baidu، وعلي بابا Alibaba، وتِنسِنت Tencent- إلى قيادة التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي. يُمكن أن يكون لهذا عواقب مهمة على جيش التحرير الشعبي، الذي قد يستخدم تقدم القطاع الخاص في تحقيق أغراض عسكرية. على سبيل المثال، يُمكن استخدام تكنولوجيات السيارات ذاتية القيادة في أنظمة المركبات العسكرية الذكية، واستخدام التقدم في مجال رؤية الحاسوب وتعلم الآلة في تحسين قدرات أنظمة التسليح في التعرف على الأهداف.

لدى قادة الجيش الصيني أسبابهم لاستغلال نجاح القطاع الخاص، إذ إنهم يؤمنون بأن الذكاء الاصطناعي يمكنه تغيير طبيعة الحرب تماما، أو بلغة جيش التحرير الشعبي، سيعرف الذكاء الاصطناعي تحولا من الحرب “المعلوماتية” إلى “المطورة بالذكاء”، ليصبح الذكاء الاصطناعي في مركز النزاعات المستقبلية، تمامًا كما توجد الأشكال الأكثر بدائية من تكنولوجيا المعلومات في مركز حروب الحاضر. أشار الفريق ليو جو تسي بجيش التحرير الشعبي الصيني ومدير لجنة العلوم والتكنولوجيا إلى أن الذكاء الاصطناعي سيحدث تحولا في الأساليب العملياتية، وأنظمة المعدات، وغير ذلك في جيوش المستقبل، ويمكن للذكاء الاصطناعي في نهاية المطاف أن يدعم الآلات المستقلة، بما يشمل أسراب طائرات الدرونز. يُمكن أن يحسن الذكاء الاصطناعي ألعاب الحرب ومُحاكاة المناورات العسكرية عبر خلق خصوم اصطناعيين أذكياء، وهي نقطة تقدم كُبرى للقوات الصينية التي تفتقر إلى الخبرة القتالية، ويمكن رفع القدرات القيادية من أجل اتخاذ قرارات سريعة في ساحة القتال. وقد دَعا قسم أركان لجنة الجيش المركزية، أعلى الهيئات في قيادة جيش التحرير الشعبي، الجيش إلى استخدام الذكاء الاصطناعي من أجل مساعدة القادة في اتخاذ قراراتهم.والتقدمات الأخيرة التي أحرزتها الصين في ذكاء الأسراب -السلوك التعاوني المستقل بين حشود من الروبوتات الموزعة- استعرضتها وسائل الإعلام الرسمية في الصين استعراضا بارزا. في يونيو 2017، نجحت شركة (China Electronics Technology Group Co)، تكتل شركات دفاعية مملوكٌ للدولة، في اختبار تحليق سربٍ مكون من 119 طائرة درونز، في رقم قياسي جديد. وفي أي صراع، يُمكن لجيش التحرير الشعبي استخدام أسراب الدرونز في استهداف منصات الأسلحة الأميركية عالية القيمة، مثل حاملات الطائرات.

ومع انتشار الذكاء الاصطناعي والآلات في الحروب يتوقع بعض مفكري جيش التحرير الشعبي الصيني الوصول إلى نقطة من التفرد التكنولوجي في ساحة القتال. عند هذه النقطة، ربما لا تقدر عقول البشر على مواكبة سرعة اتخاذ القرار التي يتطلبها القتال المعزز بالذكاء الاصطناعي، وحينها ستبدأ الجيوش في إبعاد الناس عن ساحات القتال وتكليفهم بأدوار الإشراف، وترك الجزء الأكبر من القتال للأنظمة الذاتية. ربما يبدو هذا المنعطف بعيدا، لكن الجيوش بدأت فعلا الاتجاه نحو الأتمتة. على سبيل المثال، يُمكن لكثيرٍ من منصات الدفاع الجوي والدفاع ضد الصواريخ، مثل نظام باتريوت الخاص بالجيش الأميركي، يمكنها تتبع الأهداف واختيارها آليا. وقد بدأت عدة جيوش، من ضمنها جيش الولايات المتحدة والجيش الصيني، استخدام الذكاء الاصطناعي في توقع أوجه القصور في المعدات الحساسة، وتحليل المعلومات الاستخبارية بفعالية أكبر. وسيقدم الذكاء الاصطناعي مزيدا من التطبيقات في المستقبل القريب، في مجال العمليات السيبرانية، من أجل مساعدة الجيوش في اكتشاف الثغرات واستغلالها بسرعة تفوق سرعة المحاربين السيبرانيين البشر بكثير.

وقد أشار مُراقبون إلى أن الأنظمة السلطوية مثل النظام الصيني يُمكنها في نهاية المطاف استعمال وسائل حربية آلية بالكامل،وهو ما يُثير عددا من المخاوف الأخلاقية والعملياتية: يُمكن لنظام آلي أن يفشل في التفريق بين الأهداف العسكرية الشرعية والأهداف المدنية. في الواقع، يبدو أن المفكرين الصينيين يُقدرون الدور الذي سيلعبه البشر في عصر الآلة، فقد أشار ليو إلى أن العقول البشرية المعززة بالذكاء الاصطناعي ستكون أقوى بكثير من برامج الذكاء الاصطناعي مُنفردة. وبعض جوانب ثقافة جيش التحرير الشعبي -بالأخص اهتمام قادتها بالحفاظ على مركزية القيادة- قد تُشجع ضباط الجيش على إبقاء البشر مطلعين على القرارات المهمة.

بشري أكثر من اللازم

رغم هذه الإنجازات في مجال المعدات العسكرية، صارع جيش التحرير الشعبي من أجل تجنيد أفراد ذوي تعليمٍ عال واحترافية تقنية والاحتفاظ بهم، وربما يرى المسؤولون في جيش التحرير الشعبي الذكاء الاصطناعي حلا لذلك، إذ يساعدهم في أتمتة بعض التخصصات والوظائف العسكرية، والاستعاضة به عن المواهب البشرية الناقصة أو تعويضها. إلى جانب الواقع الافتراضي والواقع المعزز، قد يحسن الذكاء الاصطناعي واقعية ومدى تطور برامج تدريب جيش التحرير الشعبي.

لكن هُناك مشكلة: مع استخدام الذكاء الاصطناعي في مُعالجة بعض المشاكل المنهجية في جيش التحرير الشعبي، يُمكن أن يزيد هذا من حدة مشاكل أخرى، منها أن أنظمة الذكاء الاصطناعي المعقدة قد تتطلب أفرادا ذوي تدريب عالٍ يصعُب على جيش التحرير الشعبي اجتذابهم. واستخدام الذكاء الاصطناعي في دعم القادة قد يخلق مشاكل جديدة متعلقة بما يُسمى الانحياز الآلي، تُشجع الضباط على الاعتماد على برامجٍ عُرضة لارتكاب الأخطاء.

يظل المسار المستقبلي للإنجازات الصينية في مجال الذكاء الاصطناعي في عِلم الغيب. لكن في ضوء ما أحرزه جيش التحرير من تقدمٍ في المجال، ينبغي على الجيش الأميركي أن يعترف بأن الصين تخطو خطوات سريعة نحو منافسة الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي ندا بند، وتعديل خططها وفقا لذلك.

يجب أن يدرس مسؤولو الدفاع الأميركيين بعناية إنجازات جيش التحرير الصيني في المجال في سياق الأهداف الاستراتيجية الصينية الأوسع نطاقا، وفي الوقت نفسه، يجدر بواشنطن أن تُحافظ على نقاط التفوق الأساسية التي ستشكل قدرتها على التنافس في المستقبل. أولا، ينبغي على الحكومة الأميركية أن تستثمر أكثر في الأبحاث طويلة المدى في الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته. الاقتراح الأولي للموازنة الأميركية المُقدم من إدارة ترمب يدعو إلى تقليل تمويل مؤسسة العلوم الوطنية لأبحاث الأنظمة الذكية بنسبة 10%، إلى 175 مليون دولار. وعلى العكس، ستُنفق الصين مليارات الدولارات في الأعوام المُقبلة على أبحاث الجيل القادم. ثانيا، ينبغي على واشنطن الحفاظ على تفوقها في العنصر البشري. (تؤوي الولايات المتحدة الآن خُبراء في مجال الذكاء الاصطناعي أكثر من أي بلد آخر).

سيتطلب هذا فعل المزيد من أجل اجتذاب أفضل المواهب في العالم إلى الولايات المتحدة، وتطوير برامج التعليم في المدارس والجامعات من أجل إعداد كوادر مستقبلية في المجال. وينبغي على الولايات المتحدة العمل على منع التحويلات التكنولوجية غير الشرعية، عن طريق زيادة الرقابة على الاستثمارات الصينية وصفقات الاستحواذ في القطاعات الحساسة من الاقتصاد الأميركي، شاملةً الذكاء الاصطناعي وصناعة الروبوتات، بما لا يوقع ضررا عاما على الاستثمارات الأجنبية التي قد تشجع الابتكار. لا بد أن يعترف الجيش الأميركي بالتحدي الصيني البارز بصفتها قوة عُظمى في مجال الذكاء الاصطناعي،  ويتجهز لمستقبل لا تعود فيه السيادة التقنية الأميركية أمرا مضمونا.

 

فورين افيرز/ميدان

أحدث العناوين

المرصد الأورومتوسطي: إسرائيل تنفذ إعدامات ميدانية ضد الأطفال في محيط مستشفى الشفاء

أفاد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن جيش العدو الإسرائيلي المجرم نفذ عمليات إعدام ميدانية بحق أطفال في محيط مجمع...

مقالات ذات صلة