بِثورة سعودية.. هل تلحق أحلام “بن سلمان” بإخفاقات “جمال مبارك”؟

اخترنا لك

بعد سبع سنوات بذلت خلالها السعودية النفس والنفيس لإنهاء الربيع العربي والحيلولة دون وصوله إلى حدودها، فإن هذا الربيع يبدو وكأنه على مرمى حجر من البلد الذي يقوده ولي عهده نحو مزيد من الاضطرابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية على حد سواء.

ورغم محاولات إعلام المملكة الحثيثة للتعتيم على حالة الغضب التي تتسع رقعتها يوماً بعد يوم، فقد شهدت الأسابيع الماضية تطورات وقرارات أكدت حقيقة أن المملكة تمشي فوق قشرة رقيقة من عدم الاستقرار، تخفي تحتها غضباً قد يبتلع كل شيء إن فشلت السلطات في منعه من الخروج إلى السطح.

أبرز تلك التطورات التي تعكس حجم الأزمة كان اعتقال 11 أميراً، السبت 6 يناير 2018، وإيداعهم سجن “الحائر” تمهيداً لمحاكمتهم، بعد تجمهرهم في قصر الحكم اعتراضاً على أمر ملكي يجبرهم على دفع فواتير المياه والكهرباء الخاصة بقصورهم، حسب ما نشرته صحيفة “سبق”.

لكن المغرد السعودي الشهير مجتهد، قال إن هؤلاء الأمراء تجمهروا في قصر الحكم معترضين على حملة الاعتقالات لأقاربهم من الأمراء، وتغييب محمد بن نايف، لا بسبب الفواتير.

وكتب مجتهد على “تويتر”: “محمد بن سلمان أدرك أن هذه بداية تمرّد داخل العائلة، فعمد إلى اختلاق سبب يطرب له الناس، فقام دليم بتكليف سبق بنشر هذه الأكذوبة”.

وجاء تمرّد الأمراء واعتقالهم بعد ساعات من إصدار العاهل السعودي حزمة أوامر جديدة في مسعى لامتصاص غضب الشارع من القرارات الاقتصادية التي دخلت حيز التنفيذ مطلع الشهر الجاري.

ورفعت المملكة، الاثنين 1 يناير 2018، أسعار البنزين، بنسب تراوحت بين 82 و126 بالمئة، وفرض ضريبة القيمة المضافة التي تبلغ 5 بالمئة. كما فرضت ضريبة غير مباشرة على جميع السلع والخدمات، ابتداءً من الإنتاج ومروراً بالتوزيع حتى مرحلة البيع النهائي، ويتحمّل تكلفتها المستهلك.

وفجْر السبت 6 يناير 2018، أصدر الملك سلمان بن عبد العزيز، أوامر بصرف العلاوة السنوية للموظفين المدنيين والعسكريين لمدة سنة، وصرف بدل غلاء معيشة قيمته ألف ريال (375 دولاراً) لموظفي الدولة لمدة سنة، لكنها تأخرت عن التسليم، في محاولة لامتصاص غضب الشارع.

وتضمّنت الأوامر إضافة بدل غلاء المعيشة للمخصص الشهري لمستفيدي الضمان الاجتماعي بمبلغ 500 ريال لمدة سنة، وصرف مكافأة قدرها خمسة آلاف ريال سعودي للعسكريين المشاركين في الصفوف الأمامية في الحدّ الجنوبي الذي يقاتل الحوثيين.

وستتحمل الحكومة بموجب الأوامر الجديدة ضريبة القيمة المضافة على ما لا يزيد على مبلغ 850 ألف ريال من سعر شراء المسكن الأول للمواطن.

ووفقاً للمستشار في الديوان الملكي السعودي، سعود القحطاني، فإن بدلات المواطنين لمواجهة غلاء المعيشة ستكلف الحكومة أكثر من 50 مليار ريال (13.3 مليار دولار).

– تصريح بالغضب

وكانت حالة من الغضب قد تفجّرت على مواقع التواصل الاجتماعي رفضاً للزيادات الأخيرة، ورفضاً لـ “سياسات الحكومة السعودية التي تقود المواطنين نحو مزيد من الظروف الاقتصادية السيئة”.

واتّهم مغرّدون مسؤولي السعودية بـ “نهب أموالهم، ودفعهم نحو كارثة اقتصادية بينما هم ينعمون بحياة رغيدة في قصورهم”.

وبالنظر إلى هذه القرارات والأحداث التي وقعت خلال 120 ساعة فقط (الشهر الماضي)، تبدو المملكة واقفة على شفا الهاوية، كما نقل الكاتب الأمريكي مايكل وولف عن مستشار البيت الأبيض السابق، ستيف بانون.

ولا يمكن قراءة ما تعيشه المملكة من غضب متصاعد وقرارات تسعى لمحاصرته، بعيداً عن سيطرة ولي العهد محمد بن سلمان على زمام الأمور، تمهيداً لنقل السلطة إليه.

وسائل الإعلام السعودية، ومعها وسائل إعلام أجنبية، تروّج لبن سلمان على أنه المنقذ الذي سينتشل المملكة من عثرتها الاقتصادية، والإصلاحي الذي سيأخذ بيدها من مستنقعات التطرف.

غير أن دوران المملكة كلها حول الأمير الشاب، قد يضع البلاد في مواجهة الثورة التي لطالما خشيت من ملاقاتها؛ ولا سيما أن ولي العهد السعودي ينتهج نفس السيناريو الذي انتهجه غيره، فأتى بنتائج عكسية.

– دولة ولي العهد.. هل يلحق بابن مبارك؟

المدقق في التطورات الأخيرة التي تشهدها السعودية، مع ربطها بدروس تاريخية ليست بعيدة عنها، وتحديداً في مصر التي شهدت، سابقاً، صعود جمال مبارك نجل الرئيس المصري المخلوع، مما كان سبباً مباشراً في الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بوالده، يمكن أن يرى أنَّ ثمة مؤشرات تشير إلى أن التاريخ يعيد نفسه بثوب مختلف في السعودية، ولا يستبعد احتمال نشوب ثورة قد تضرب أركان المملكة.

مركز واشنطن لدراسات الشرق الأوسط أعد تقريراً، العام الماضي، قال فيه إن الصعود السياسي السريع للأمير محمد بن سلمان، يذكرنا بالصعود السياسي والدعم اللامحدود من قبل الرئيس مبارك لنجله، وتسخير كل إمكانات الدولة في خدمته وخدمة طموحاته السياسية، حيث أصبح جمال مبارك، خلال بضع سنوات، الرجل الأول في مصر، تتسابق كل الدوائر لإرضائه والسير في كنفه.

هذا الصعود لولي العهد وامتلاكه القوة العسكرية والسيطرة الاقتصادية، بل وهندسة السياسة الخارجية للمملكة، جعل الدبلوماسيين الغربيين يطلقون عليه لقب “سيد كل شيء”، وفقاً لما نشرته وكالة أنباء “بلومبيرغ” في أبريل 2016.

مجتهد: تحالف محمد بن سلمان الأخير لإرضاء الغرب

اللافت هنا أن جمال مبارك، في سنواته الخمس التي سبقت الإطاحة بوالده، قام تقريباً بالدور نفسه، مع بعض الفروق، إذ هيمن على الحياة الاقتصادية، وأحاط نفسه برجال الأعمال، وكان مهندس مشروع الخصخصة في مصر الذي شابه فساد كبير.

كما أن هناك تشابهاً آخر بين جمال مبارك وبن سلمان، الذي حرص على تسويق نفسه للخارج من خلال حوارات مع بعض وسائل الإعلام الغربية، وهو الشيء نفسه الذي فعله جمال مبارك الذي كان يؤمن في قرارة نفسه بأن دعم الغرب أو عدم اعتراضه عليه، سيكون له دور كبير في وصوله إلى سدة الحكم.

وكما تم تصوير جمال مبارك، خارجياً، على أنه رجل اقتصادي قادر على إخراج مصر من أزماتها الاقتصادية، وعلى تحرير الاقتصاد عبر بيع الأصول المملوكة للدولة وإلغاء الدعم، وهو ما سبب غضباً كبيراً ظل مكبوتاً في صدور المصريين حتى انفجروا في يناير 2011، فإن الأمير السعودي الشاب اختار وكالة “بلومبيرغ” من أجل الشيء نفسه.

وخلال حوارين نشرا على حلقات متفرقة العام الماضي، رسمت “بلومبيرغ” صورة لبن سلمان يبدو فيها المنقذ لاقتصاد المملكة بعد أن أوشك على الإفلاس، وعرضت خططه الاقتصادية، ورؤيته نحو تخفيض الدعم وخصخصة المؤسسات الاقتصادية السعودية العملاقة، مثل شركة “أرامكو”.

وكما لعب جمال مبارك على وتر الشباب، وأسس جمعية “جيل المستقبل”، وبدأ بتدريب الشباب والاهتمام بالقيادات الشابة، يسير محمد بن سلمان على الدرب نفسه في مداعبة أحلام الشباب، عبر مؤسسة “مسك” الخيرية، التي تعمل أيضاً على دعم وتمكين الشباب عبر شراكات مع مؤسسات دولية كبيرة، مثل جامعة “هارفارد” العريقة في برنامج للقيادات الناشئة، وقادة المستقبل، بحسب معهد واشنطن للدراسات.

وبالإضافة إلى تشابه المسار الذي اتخذه الرجلان، فإن الظروف المجتمعية تتشابه في بعض النواحي، وأهمها ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب المصري الذي يشكل ثلثي المجتمع، والتي بلغت في عام 2011 نحو 21 بالمئة، وهي نفس المشكلة التي يعاني منها الشباب السعودي الذي يشكل ثلثي المجتمع أيضاً، حيث تشير آخر الإحصاءات إلى أن نسبة البطالة تجاوزت 12 بالمئة.

ومما يؤكد خطورة قضية البطالة ذلك التفاعل الكبير بين الشباب السعودي مع فيديو نشره طبيب سعودي، في مايو 2016، يحرق فيه شهادته الجامعية، وهو الأمر الذي سرعان ما تحول إلى حملة شارك فيها الشباب السعودي بكثافة على موقع “تويتر” بعنوان #حمله_إحراق_الشهادات، للتعبير عن غضبهم من البطالة.

أضف إلى تشابه هذه الظروف- يقول معهد واشنطن في تقريره- ذلك العدد الهائل من الشباب السعودي الذي سافر للدراسة في أمريكا والدول الغربية، والذي يقدر بأكثر من مئة ألف طالب، وقد بدأ هذا الجيل من الشباب بالعودة إلى المملكة بعدما عاش في مجتمعات ديمقراطية حرة تتمتع بقدر كبير من الشفافية، ومن ثم سوف يكون له دور في مستقبل المملكة، لأن نظرته للأمور ستتغير بعد عودته.

ولا يمكن للمتابع أن ينسى في ظل العرض السابق أن المجتمع السعودي، مقارنة بباقي مجتمعات العالم، هو الأكثر نمواً على مواقع التواصل التي كانت أحد العوامل التي حركت المياه الراكدة في الحياة السياسية والاجتماعية بالمنطقة.

وهنا تجب الإشارة إلى الحملة التي دشنتها فتيات السعودية، العام الماضي، على تويتر بعنوان #قيادة_المرأة_للسيارة، للمطالبة بحقهن في قيادة السيارات في تحدٍّ للتقاليد، وهو الأمر الذي تم إقراره لاحقاً، إضافة لحملات أخرى تهاجم هيئة الأمر بالمعروف التي تم تحجيمها، وتطالب بسينمات وحفلات مختلطة، وهو ما تم أيضاً دون تنظيم محكم ترك احتمالات خروج الصوت الرافض لها أيضاً.

– تزايد القمع

ثمة تشابه آخر لا يقل أهمية بين أوضاع مصر ما قبل الثورة والسعودية حالياً، ويتمثل في القبضة الأمنية الشديدة التي يضرب بها ولي العهد كل من يقف في طريقه، سواء كان عالماً أو ناشطاً أو صحفياً أو حتى أميراً من أمراء آل سعود.

ولمزيد من السيطرة، فصلت المملكة، مطلع الشهر الماضي، 6 قطاعات أمنية مهمّة عن وزارة الداخلية السعودية، لتنضمّ إلى جهاز “أمن الدولة” المستحدث بموجب أمر ملكي صدر في يوليو 2017، والذي يراه محللون العصا التي يضرب بها بن سلمان كل مناوئيه.

ونصّ الأمر الملكي على أن تفصل المديرية العامة للمباحث، وقوات الأمن الخاصة، وقوات الطوارئ الخاصة، وطيران الأمن، والإدارة العامة للشؤون الفنية، ومركز المعلومات الوطني، عن وزارة الداخلية.

كما نصّ على فصل كل ما يتعلق بمهمات الرئاسة، ومن ضمن ذلك مكافحة الإرهاب وتمويله، والتحريات المالية، وضمّها إلى جهاز رئاسة أمن الدولة، في خطوة تجرد وزارة الداخلية من سلطات مهمة.

حملة الاعتقالات غير المسبوقة التي طالت عدداً من الأمراء والوزراء، والتي نجح من خلالها في سلب عشرات المليارات مقابل إطلاق سراح أصحابها، لم ترق لكثيرين من أبناء الأسرة الحاكمة، وما تزال التقارير الغربية تتحدث عن خلافات تصل إلى حد العصيان ضد تولي بن سلمان حكم البلاد.

وكما كانت نظرة المصريين لجمال مبارك على أنه رجل أمريكا سبباً في الانقضاض عليه، فإن علاقة بن سلمان بواشنطن تثير الكثير من الأحاديث حول الدور الأمريكي في تصعيده، وهو الدور الذي أكده كتاب مايكل وولف الحديث، والذي نقل فيه قول الرئيس ترامب وصهره، بعد تجريد محمد بن نايف من كل مناصبه: “لقد وضعنا رَجُلنا في القمة”.

هذه المؤشرات تشي بأن السعودية تسير على الدرب، دون أن تنتبه أو تكترث لفشل جمال مبارك “سيد كل شيء” في مصر الجمهورية، أو “أحمد علي عبد الله صالح” في الجمهورية اليمنية، أو “سيف الإسلام القذافي” في الجماهيرية الليبية، أو “بشار الأسد” الذي قاد الجمهورية السورية نحو الهلاك.

وبناء على ما سبق، فإن السؤال الحتمي هو: هل ستختلف الملكية عن الجمهورية؟ أم إنها ستصطدم برياح التغيير من حيث تريد تلافيها؟

*الخليج أونلاين

أحدث العناوين

Massacre crimes continues in Gaza

The number of martyrs due to the massacre committed by the Israeli occupation forces at dawn today against a...

مقالات ذات صلة