تحاول حكومة الرئيس المستقيل، عبد ربه منصور هادي، منذ مطلع العام الحالي، فرض سيطرتها الإدارية على الموانئ والمنافذ الواقعة في المحافظات الجنوبية، إلا أنها تصطدم إلى الآن برفض إماراتي غير مباشر. وزير النقل في حكومة هادي، صالح الجبواني، يتصدّر تلك المحاولات، ساعياً إلى استخدام صلاحياته في إجراء تغييرات إدارية في عدد من المنافذ البحرية والجوية في عدن وحضرموت والخاضعة للسيطرة الإماراتية منذ أكثر من عامين، لكن الجبواني يصطدم بـ«تخاذل» الرئيس المنتهية ولايته، الذي وصلت قراراته حدّ التضخم في مختلف الوزارات، بينما لم يصدر عنه قرار جمهوري واحد يقضي بتعيينات جديدة في المطارات والموانئ حتى اليوم تجنباً للإضرار بمصالح الإمارات.
الجبواني، الذي اعترضت قوات موالية للإمارات أواخر شباط/ فبراير الفائت موكبه ومَنعتْه من دخول ميناء قنا في محافظة شبوة، أصدر الشهر الماضي قراراً قضى بتعيين مدير جديد لمطار عدن الدولي، وذلك بعد أيام من تأكيده أن المطار يخضع للسيطرة الإماراتية الكاملة، غير أن قراره اصطدم أيضاً برفض النقابات العمالية في المطار، والتي هدّدت بالإضراب الشامل عن العمل ووقف الملاحة الجوية في حال عدم عدوله عنه. تهديدات اضطرت الجبواني إلى التراجع عن القرار، بعدما حاول – بالاستفادة من قرب إحالة المدير السابق إلى التقاعد – فرض سيطرة حكومية على إدارة مطار عدن، عن طريق ترشيح منيف الزغلي (موالٍ لهادي) لإدارة المطار، بالتوافق مع الهيئة العامة للطيران والأرصاد. لكن سرعان ما اندلعت، مطلع تموز/ يوليو، احتجاجات طالبت بإعادة المدير السابق ورفضت تعيين المدير الجديد، ليتضح أنها لم تكن عفوية.ذلك أن موجة رفض قرارات وزارة النقل في حكومة هادي، والقاضية بإجراء تغييرات في مؤسسات ذات ارتباط بمصالح الإمارات ومطامعها في الجنوب، تصاعدت أخيراً على نحو ملحوظ، وانتقلت من مطار عدن إلى ميناء المكلا، رداً على قيام الوزارة بتعيين إحدى الشخصيات الموالية لها في منصب نائب رئيس «مؤسسة موانئ البحر العربي» مطلع الشهر الجاري. اللافت أن الإمارات استخدمت قدراتها كافة في حضرموت لوقف القرار، ومنع تعيين نائب مدير مناهض لها في قيادة المؤسسة التي تسيطر على عدد من الموانئ في الساحل الشرقي للبلاد (ميناء المكلا، ميناء الضبة النفطي، ميناء نشطون في محافظة المهرة، وميناء سقطرى)، إضافة إلى مسؤوليتها عن إدارة ميناء بروم غرب المكلا، وموانئ محافظة شبوة مُمثّلةً بميناءَي قنا وبلحاف الاستراتيجيين. ولم يقتصر الرفض على النقابات العمالية في «مؤسسة موانئ البحر الأحمر»، والتي أعلنت الإضراب عن العمل في ميناء المكلا ثاني أكبر الموانئ في الجنوب بعد ميناء عدن الدولي، بل تجاوزها إلى مكونات قبلية موالية لأبو ظبي.

لا تزال أبو ظبي تمنع صيّادي حضرموت من ممارسة عملهم على سواحل المحافظة

في المقابل، أصرّ الجبواني على قراره تعيين ناجي الشريف، المتحدّر من محافظة شبوة، نائباً لرئيس المؤسسة، محاجِجاً بأن وزارته هي المسؤول الأول عن التعيين في مؤسسة سيادية، وليس السلطات المحلية، في إشارة إلى محافظ حضرموت الموالي لأبو ظبي فرج البحسني، أو أي جهات أخرى، وملمّحاً إلى أن الإمارات هي من تقف وراء رفض القرار وليس النقابات العمالية أو الكيانات القبلية. رفض يرى فيه مراقبون تعبيراً عن أن أبو ظبي ترى في سلطة التعيين في المطارات والموانئ الواقعة تحت سيطرتها أمنياً وتحت وصايتها إدارياً «حقاً إماراتياً»، مشيرين إلى أن قبول الإمارات بقرارات وزارة النقل في حكومة هادي من شأنه تقويض مصالحها في الموانئ الممتدة من المكلا حتى شبوة والمهرة وصولاً إلى سقطرى.

«القمع» لا يستثني «الأصدقاء»
ولا يقتصر التشدد الإماراتي في رفض أي منافسة على تلك المرافق الحيوية على الشخصيات الموالية لـ«الشرعية»، بل يتجلى كذلك في مواجهة التشكيلات المحلية التي أنشأتها الإمارات ودرّبتها لتكون ذراعاً ضاربة لها في الجنوب. نموذج مما تقدم قوات «النخبة الشبوانية» التي تشكّلت بعد عدة لقاءات مع عدد كبير من زعماء قبائل شبوة، أفضت إلى أن يقوم هؤلاء بالدفع بالآلاف من أبنائهم إلى معسكرات التدريب في غرب المكلا (مركز محافظة حضرموت)، على أن يكون للتشكيل الجديد الدور الرئيس في إدارة الملفّ الأمني في المحافظة. لكن الإماراتيين سرعان ما تنصّلوا من الاتفاق بعد دخول قوات «النخبة» إلى مديريات شبوة، حيث حاولوا إبعاد عناصر القوات المشار إليها عن موانئ المحافظة، علماً أن أبناء القبائل هم من تولّوا منذ عام 2015 حراستها إنما من غير إطار تنظيمي.

هذه المحاولات بلغت ذروتها مطلع حزيران/ يونيو الماضي، عندما أرادت أبو ظبي إخراج الحراسة المحلية من ميناء بلحاف لتصدير الغاز الطبيعي المسال، واستبدالها بقوات أخرى. وهو ما قوبل برفض قائد «النخبة الشبوانية» في محور بلحاف خالد العظمي، الذي ردّ على نقض الإمارات التزاماتها بإعلان حالة الاستنفار، ورفع العلم اليمني عند بوابة الميناء، والتشديد على أن الميناء مرفق سيادي ولا يمكن تسليمه لقوات أجنبية. موقف تسبّب بانشقاق داخل قوات «النخبة» بين مؤيد للإماراتيين ومنحاز إلى العظمي، الذي باركت قيادات قبلية ومحلية خطواته قبل أن تقوم الإمارات، منتصف تموز/ يوليو الماضي، بإصدار قرار بإقالته وتعيين خالد منصور السليماني بدلاً منه. مرة أخرى، رفض العظمي القرار، وأصرّ على البقاء في ميناء بلحاف حتى لو تطلب ذلك استخدام القوة. وعلى الأثر، وجّهت الإمارات، خلال الأيام الماضية، بنشر دوريات خفر السواحل استعداداً للسيطرة على الميناء بالقوة، وفقاً لما تفيد به مصادر محلية «الأخبار». وتوضح المصادر أن القيادة الإماراتية نشرت نقاطاً عسكرية بالقرب من المنشأة، وأصدرت قراراً بمنع حمل السلاح أو اقتنائه، في سياق تحضيراتها للهجوم، والذي يأتي بعد أيام فقط من سيطرتها بقوة السلاح على مطار عتق في محافظة شبوة، عقب اشتباكات مع القوات الحامية للمطار دامت ساعات عدة الخميس الماضي.

في السياق نفسه، تؤكد مصادر محلية في حضرموت استمرار توقف أعمال الصيد بالقرب من مطار الريان الدولي غرب المكلا، والذي حوّلته الإمارات إلى معتقل سري وتنصّلت من وعودها التي أطلقتها أواخر العام الماضي بترميمه وإعادة فتحه أمام حركة الطيران المدني منتصف العام الحالي. كذلك، لا تزال أبو ظبي تفرض حظراً على صيّادي منطقتَي شحير والشحر في حضرموت منذ عام، وترفض التجاوب مع المساعي الهادفة إلى السماح للصيادين بالعودة إلى ممارسة عملهم في سواحل المحافظة بدعوى تحويل عدد من الموانئ السمكية إلى موانئ عسكرية، لكن المصادر تفيد بأن قيادات إماراتية تمارس تهريب النفط عبر تلك الموانئ، خصوصاً مادة «البنزين الأبيض» التي يتم تصديرها من سواحل الشحر.

وكانت الإمارات عمدت إلى ضرب الحركة الملاحية في ميناء عدن، أحد أهم الموانئ في المنطقة والعالم، من خلال تشديد القبضة الأمنية على الميناء، وفرض إجراءات عبثية على حركة السفن التجارية، وتحويل ميناء الزيت إلى ميناء عسكري، واحتجاز بضائع التجار ووارداتهم من دون مبرر لأشهر، وهو ما كبّد العشرات منهم خسائر فادحة، وعرّض بعضهم للإفلاس، فضلاً عن فرض إتاوات كبيرة على التجار في ميناء الحاويات. كل تلك الممارسات أدت إلى توقف عدد من الخطوط العالمية، في ظل عجز حكومة الرئيس المنتهية ولايته عن التدخل لإنقاذ الميناء من التدمير.

وعلى الساحل الغربي، تعمّدت الإمارات تعطيل الحركة الملاحية في ميناء المخا التجاري منذ عام، وحوّلته إلى ميناء عسكري، وسط صمت مطبق من قِبَل حكومة هادي.