عن داعش و القاعدة و غفلة الإيديولوجيا

اخترنا لك

أكرم عبدالفتاح-الخبر اليمني:

داعش و القاعدة هي شركات مساهمة. كيف؟

تنظيم القاعدة و دولة الخلافة الإسلامية “داعش” تم تأسيسهما وفق منطق استثماري و ضمن بنية تشبه الشركات المساهمة المتعددة الجنسيات التي تعود ملكيتها إلى أطراف عديدة ، كل مساهم من هذه الأطراف المحلية و الإقليمية و الدولية يمتلك مجموعة من الأسهم بنسب متفاوتة، و بمقدار نسبة المساهمة يمكن لطرف ما توجيه بعض عمليات التنظيمين لخدمة مصلحة آنية، لكن هذا لا يعني أن التنظيمين يفتقران لأجندة إيديولوجية خاصة بهما ، فحقوق المساهمين لا تمنحهم القدرة على فرض إرادتهم على كل قرارات و أنشطة مجلس الإدارة، خصوصا حين تتناقض مصالح و أولويات المساهمين، و إن حدث فستكون الغلبة لإرادة مالكي النسبة الأكبر من الأسهم. في كل الأحوال يبقى مجلس الإدارة و المدراء التنفيذيون للتنظيم هم أصحاب القرار عمليا، و لهذا قد يضطر المساهمون للتخلص من بعضهم بواسطة الدرونز و البريداتور  (الطائرات من دون طيار).

و ككل الشركات هناك المركز الرئيسي، المساهمون فيه هم بعض القوى الكبرى إقليميا و عالميا إضافة إلى جماعات دينية عابرة للجنسيات تستثمر بالمشاركة الإيديولوجية. و هناك أيضا فروع الشركة في بعض الدول، و في الفروع يسمح للأطراف المحلية بامتلاك بعض الأسهم مقابل  الخدمات و التسهيلات التي تقدمها، و قد تعمد بعض الأطراف المحلية لرفع حجم استثماراتها للحصول على إمكانيات أكبر للاستفادة من خدمات الفرع للتوظيف السياسي الداخلي -أو التوظيف الخارجي أحيانا، إن عقدت علاقات طيبة مع إدارة الفرع- لكن نسبة مساهمتها تظل صغيرة قياسا بالمساهمين الرئيسيين.

و تبقى هناك حقيقة مؤكدة أن المساهمين قد يتفقون في أهدافهم المرحلية أو الاستراتيجية أحيانا، لكنهم كثيرا ما يختلفون وفق حسابات المصالح الخاصة و الأولويات، و هو ما يفسر الكثير من التناقضات و التضارب في ممارسات و أهداف عمليات هذي التنظيمات. تلك الخلافات قد تحدث أيضا بين المساهمين الرئيسيين، الذين لهم أهدافهم، و مجلس الإدارة و المسئولين التنفيذيين الذين هم أيضا لهم أيديولوجيتهم و أجندتهم الخاصة ، كما سبق الإشارة إليه أعلاه.

و حقيقة أخرى هي أن بعض المسئولين التنفيذيبن في الإدارة العليا و معهم المسئولين في الإدارات الوسطى و كل العاملين في مثل هذه الشركات لا يعلمون شيئا عن ملكية الشركة و تبعيتها للمستثمرين فيها، و يظنون فقط أنهم يعملون في خدمة الله الذي اشترى منهم أنفسهم غافلين عن حقيقة أنهم و ما يفعلونه ليسوا سوى قطع شطرنج مملوكة لقوى السوق العالمية و استثمارات الدم.

و هذي هي غفلة الإيديولوجيا !.

أنشط فروع تنظيمي القاعدة و داعش على مستوى العالم موجودان في اليمن، كلا الفرعين تأسسا في البداية اعتمادا على مكونات تنظيمات جهادية سابقة بمسميات مختلفة إضافة إلى خبرات و كوادر مشتركة. و يمكن القول أن البدايات الفعلية لهما و لغيرهما من النسخ الجهادية السابقة ترجع إلى العام 1991م فهناك بدأ تشكيل التنظيمات الجهادية اليمنية.

كان نظام علي عبدالله صالح هو الذي أنشأ النواة الأساسية و البنية التحتية لهذه الجماعات، تحديدا هو من أنشأ فرع تنظيم القاعدة في اليمن بل و عمل على تنويع مراكز السيطرة داخله، و لابد من التذكير أن هذا ليس منجزا شخصيا لعلي عبدالله صالح وحده،  فقد تولى تنفيذ المشروع طاقم عمل يشمل شخصيات حزبية و قبلية و عسكرية و دينية مرتبطة بالإخوان كان أبرز الفاعلين فيه الجنرال علي محسن و رفيقه غالب القمش و جهازه الأمني، بالتعاون مع وكالة متخصصة في تصدير و استيراد المجاهدين يديرها العالم الرباني عبدالمجيد الزنداني و الذي يقدم إلى جانب ذلك الكثير من خدمات التأهيل و الأدلجة و التأصيل الديني للجهاد في اليمن و العالم. و قد استطاع فريق العمل المتجانس هذا تحقيق إنجازات أهمها جلب بعض اللاعبين اليمنيين المحترفين في أفغانستان، إضافة إلى كوادر أجنبية، و الاستفادة من خبراتهم في تنفيذ عمليات الاغتيالات الشهيرة ضد قيادات الحزب الاشتراكي، ثم في حرب 1994م و ما تلاها . جدير بالذكر أن هذا الإنجاز تم بالاتفاق مع الشيخ أسامة بن لادن الذي دعا مقاتليه لمغادرة أفغانستان إلى اليمن للقضاء على الشيوعيين الكفرة ……

هذه حقائق تاريخية عن النشأة التي تبدأ منذ ما قبل جماعات محمد عبدالنبي و المحضار و “معسكر حطاط” و “جيش عدن أبين” و حتى داعش الراهنة و ما سيظهر لاحقا من تخريجات و نسخ معدلة. و كلها مرتبطة بكون التمويل السعودي و مؤسساته الوهابية كانا العامل الأهم لتغذية تلك الجماعات بشريا و ماديا و تنظيميا، حيث يمهد المال الوهابي الطريق لتلك الجماعات من خلال سيطرته على المساجد و مؤسسات التعليم فمن هناك يبدأ غرس اليقينيات الجهادية في نفوس الأتباع و خصوصا صغار السن الذين سيرتدون الأحزمة الناسفة و يقودون السيارات المفخخة لاحقا.

 

هكذا تأسس فرع القاعدة في اليمن، و من ضلعه الأكثر اعوجاجاً خرجت داعش.

علماً أن العامل المشترك الأهم بين تنظيمي داعش و القاعدة هو اعتمادهما على نفس البنية التحتية حيث:

* أنهما ، وكمصدر لتجنيد أعضائهما، يعتمدان على نفس المخزون البشري المتمثل في أفراد يحملون الفكر الجهادي و بذور التطرف الديني و هؤلاء يأتون في غالبيتهم من المعاهد الدينية و دور الحديث و مراكز التحفيظ و غيرها من المؤسسات التي تمولها الحركة الوهابية. و بهذا نرى أن الذين ينضمّون لداعش مثلا كانوا أعضاء قدامى في القاعدة أو أنصار الشريعة أو غيرها من الجماعات و الأحزاب الدينية، و العكس صحيح أيضا حيث تحدث حركة الانتقال في الاتجاهين بسهولة دون أن يتطلب هذا أي تأهيل إضافي للأعضاء كون شروط العضوية موحدة.

 

*  أن التأصيل الديني  لأيديولوجيا التنظيمين يوفرها نفس الشخوص من علماء الدين الذين يمكن اعتبار أفكارهم مرجعية مشتركة لكل الجماعات الجهادية ،و لهذا يصح القول بكونهم الآباء الروحيون لكل “الإنغماسيين” و قادتهم.

 

هذه البنية التحتية المشتركة لكل من تنظيم القاعدة في اليمن و تنظيم داعش يمكن تشبيهها بالتشارك في المصادر. و ليست مصادفة أنها نفس البنية التحتية لجماعة الإخوان في اليمن.

 

أخيرا، و نظرا لتعمد بعض وسائل الإعلام الخلط بين داعش و القاعدة، فإنه يلزم  التذكير بحقيقة أن القاعدة ليست داعش، فالأخيرة خرجت من عباءة الأولى لتبايع الخليفة بدلا من الأمير، و لتقوم بمهام فروع دولة الخلافة لا  “التنظيم السري”.

نعم، التنظيم السري ، و هذه قصة أخرى ذات جذور أعمق و أكثر امتدادا في خريطة العالم.

أحدث العناوين

Ansar Allah leader reviews American and British failure in confronting Yemeni operations

On Thursday, Ansar Allah leader, Abdul-Malik Al-Houthi highlighted the American and British failure in their attempts to counter Yemeni...

مقالات ذات صلة