أوقفوا الدموع الأمريكية الزائفة على مقتل خاشقجي

اخترنا لك

هل يمكن أن أكون الوحيد، بغض النظر عن المتملقين، الذي يجد مشهد الجمهوريين والديمقراطيين في أمريكا الذين يدينون ولي العهد السعودي بقتل “جمال خاشقجي” مثيرا للغثيان؟ وتظهر عبارات “مجنون” و”خطير” و”كرة دمار” و”منشار العظم” أن هؤلاء الرجال غاضبون.

 

متابعات – الخبر اليمني:

ومن الواضح أن مديرة وكالة الاستخبارات المركزية “جينا هاسبل”، التي كانت سعيدة بالتوقيع على تعذيب أسراها المسلمين في سجن أمريكي سري في تايلاند، كانت تدرك جيدا ما تتحدث عنه عندما أدلت بشهادتها حول “محمد بن سلمان” وتعذيب “جمال خاشقجي”.

وتشير تسريبات الحكومة الأمريكية إلى أن “جينا” كانت تعرف كل شيء عن صرخات الألم، ومعاناة الرجال العرب الذين تم إيهامهم بالغرق، والمطالبات اليائسة بالحياة من ضحايا أمريكا في منشآت التعذيب عام 2002 وبعده. فصرخات رجل يغرق والصراخ اليائس من رجل يختنق لا يمكن أن يكون مختلفا تماما. ما عدا، بالطبع، أن ضحايا “سي آي إيه” عاشوا ليتعرضوا للتعذيب يوما بعد يوم، في حين كان اختناق “جمال خاشقجي” يهدف إلى إنهاء حياته فعليا.

وقبل جيل مضى، تجاوز برنامج “عملية العنقاء” للاغتيالات الذي نفذته “سي آي أيه” في فيتنام، تجاوز خيال المخابرات السعودية. وكان قتل “خاشقجي” مجرد “اغتيال مروع” على نفس النسق. وإذا كانت وكالة الاستخبارات المركزية يمكنها التوقيع على القتل الجماعي في فيتنام، فلماذا لا يقوم ديكتاتور عربي بنفس الشيء على نطاق أصغر بكثير؟ صحيح، لا أستطيع تخيل دخول الأمريكيين بمناشير عظام على هؤلاء الأشخاص، لكن الشهادات تشير إلى اغتصاب جماعي أعقبه تعذيب جماعي للضحايا في فيتنام. فلماذا لا يمكن تشغيل الموسيقى من خلال سماعات القتلة؟

ورغم ذلك، لا يزال العرض الأمريكي مستمرا. وقد أخبرنا السيناتور الديمقراطي “بوب مينينديز” هذا الأسبوع أن الولايات المتحدة “يجب أن ترسل رسالة واضحة لا لبس فيها بأن مثل هذا الفعل غير مقبول على المسرح العالمي”.

ويقصد بـ”الفعل”، بالطبع، قتل “خاشقجي”. ويأتي هذا من رجل دافع باستمرار عن (إسرائيل) بعد مذابحها في حق الأبرياء في غزة.

إذن ما الذي يجري على الأرض هنا؟ ربما كان “المسرح العالمي” الذي تحدث عنه “مينينديز” هو البيت الأبيض، وهنا تصبح عبارته مناسبة عندما تفكر في ذلك. ومع ذلك، وبالنظر إلى أنه يمكن اعتبار واحد على الأقل من الرؤساء الأمريكيين الذين شغلوا المنصب الرئاسي في الآونة الأخيرة مذنبا بارتكاب جرائم حرب، في العراق، ومقتل عشرات الآلاف من العرب، فكيف يزعج أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكيون أن يأمر “محمد بن سلمان” بقتل رجل عربي واحد وتقطيع أوصاله؟ هذا بالطبع مع تنحية الحرب اليمنية جانبا.

وبعد كل شيء، يكاد غالبية قادة العالم، ورؤساء الولايات المتحدة أنفسهم، يواجهون اتهامات بجرائم حرب. وقد التقى “ترامب” “كيم جونغ أون” ودعاه إلى البيت الأبيض. ونحن جميعا في انتظار رئيس الفلبين “رودريغو دوتيرتي”، لتلقي دعوة هو الآخر.

وكان “أوباما” قد أظهر كرم الضيافة في البيت الأبيض لمجموعة من الحكام المستبدين الداميين، من غامبيا وبوركينا فاسو والكاميرون، حتى دون أن نتذكر “سوهارتو”، الذي قتلت فرق موته ما يصل إلى نصف مليون شخص، و”حسني مبارك”، الذي اغتصبت الشرطة السرية السجناء في بلاده وأجازت شنق مئات الإسلاميين دون محاكمات سليمة، وخليفته الأخير، المشير الرئيس “السيسي”، الذي لديه نحو 60 ألف سجين سياسي محبوسين في مصر، يسيطر عليهم رجال الشرطة الذين عذبوا طالبا إيطاليا شابا حتى الموت. لكن “جوليو ريجيني” لم يتم قتله في قنصلية مصرية. ولا تشمل هذه القائمة حتى “أرئيل شارون”، المتهم في تحقيق إسرائيلي بالمسؤولية الشخصية عن مذبحة بحق 1700 مدني فلسطيني في مخيمي صبرا وشاتيلا في بيروت عام 1982.

إذن ما هي “هذه الرسالة الواضحة والقاطعة” التي ينتقدها السيناتور “مينينديز”؟ الرسالة الواضحة والتي لا تحمل أي لبس منذ عقود هي أنه دائما ما تتفوق “المصلحة الوطنية” للولايات المتحدة على الأخلاق أو الجريمة الدولية.

فلماذا دعمت الولايات المتحدة “صدام حسين” في محاولته تدمير إيران واستخدامه للحرب الكيماوية ضدها؟ ولماذا دعا “دونالد رامسفيلد” الرئيس العراقي “صدام حسين” في ديسمبر/كانون الأول 1993 للسماح بإعادة فتح السفارة الأمريكية في بغداد عندما كان الرئيس العراقي قد استخدم بالفعل غاز الخردل ضد خصومه؟ وفي الوقت الذي وصل فيه “رامسفيلد” لحضور اجتماعه، سقط أكثر من 3 آلاف ضحية وسط غيوم الغاز العراقية، وتصل تقديرات الرقم النهائي إلى ما لا يقل عن 50 ألف قتيل. وهو، من الناحية الرياضية، “جمال خاشقجي” مضروبا في 50 ألف مرة.

ومع ذلك، من المفترض أن ننتفض من الصدمة والرعب عندما تشير “جينا”، التي قد يكون لديها بعض ما تقدمه إلى أعضاء مجلس الشيوخ حول مسائل أخرى، إلى أن أحدث طاغية مفضل في الشرق الأوسط لدى أمريكا قد أمر بقتل “جمال خاشقجي”.

فهل يعتقد “مينينديز” أن صدام لم يوقع على أحكام الإعدام التي صدرت بحق الآلاف من الرجال والنساء العراقيين قبل لقاء “رامسفيلد”؟ أو أن “دوتيرتي”، الذي قارن نفسه بـ “هتلر”، لا يوقع على قتل “المشتبه بهم” في تجارة المخدرات؟ أو أن “سوهارتو” لم يكن له أي علاقة على الإطلاق بنصف مليون جريمة قتل في إندونيسيا؟

من المفيد في الواقع أن الآلاف من الأبرياء الذين قُتلوا في حرب اليمن، وهو هجوم قام به “محمد بن سلمان” نفسه بدعم لوجيستي من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة دون أن تحتاج “جينا هاسبل” للشهادة حوله، من المفيد أنه صدم أخيرا أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي. أو ربما عليهم ألا يشعروا بالصدمة، فهم مجرد حفنة من العرب يقتل بعضهم بعضا، على ما أفترض.

ويعرف أعضاء مجلس الشيوخ كل شيء عن تفجيرات المساجد وحفلات الزفاف والمستشفيات والمدارس في اليمن. فلم لا يفيضون علينا من الدموع لأجل هؤلاء الأبرياء؟ أم أن الأمر صعب بعض الشيء عندما يكون الجيش الأمريكي مشاركا، في كل مناسبة وبالصدفة، بقصف المساجد وحفلات الزفاف والمستشفيات والمدارس في أفغانستان والعراق وسوريا؟

لم تكن حالة الصدمة والرعب والحاجة إلى الكشف الكامل عن تورط السعوديين في المقام الأول نابعة من التزام بالعدالة أو حقوق الإنسان، بل إنها متعلقة بـ “ترامب” نفسه، والحاجة إلى ربطه بالقتل الوحشي لصحفي في صحيفة “واشنطن بوست” ومقيم في الولايات المتحدة، ليتم إلقاء اللوم على الرئيس الأمريكي في هذا “العالم الشرير”.

لكن هناك ما هو أسوأ من ذلك مما وقع بالفعل، وهو أن 15 من الخاطفين في 11 سبتمبر/أيلول كانوا سعوديين، وأن “أسامة بن لادن” نفسه كان سعوديا وأن السعوديين أنفسهم هم وريثو نسخة مسيئة ومتطرفة من الإسلام السني ألهمت حركة طالبان والقاعدة وتنظيم الدولة، وكل الطوائف القاتلة الأخرى التي أعلن الغرب حربه عليها، ورغم ذلك، نقل “جورج بوش” أفراد عائلة “بن لادن” سرا إلى خارج الولايات المتحدة بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.

ويبدو أن النفط والأسلحة يشكلان مزيجا قويا للغاية في العالم الخطير الذي تخطو فيه أمريكا وحلفاؤها الآن، حيث يتم زراعة كراهية أمريكا والغرب في قلوب آلاف المسلمين الذين يهلكون تحت قنابلنا وقذائفنا ومدافع الهاون.

ربما لم تكن تلك المعلومات مجدية عمليا لدرجة أن تحتاج “جينا” للحديث عنها سواء في “الأقبية السوداء” التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية أو أمام أعضاء مجلس الشيوخ، أو ربما خشي أعضاء المجلس أن تنزعج إذا تم سؤالها عن الأمر.

أحدث العناوين

أول تعليق لصنعاء على الانتشار العسكري الروسي في البحر الأحمر

كشفت صنعاء ، الخميس، موقفها  من الانتشار الروسي الجديد في البحر الأحمر. خاص – الخبر اليمني: واكد  نائب مدير دائرة التوجيه...

مقالات ذات صلة