الإستعمار الإستراتيجي للمدخل الجنوبي للبحر الأحمر

اخترنا لك

إن دراسة البعد التاريخي أو مايعرف بالجغرافيا السياسية (التاريخية )ضرورة للتعرف على المظهرالسياسي القائم فى منطقة المدخل الجنوبي للبحر الأحمر باعتباره ظاهرة نامية ومتطورة حاضرها استمرار لماضيها وإشارة لمستقبلها.

وبغير دراسة العمق التاريخي تصبح الأحداث وكأنها عابرة ولذلك فالأحداث إذا تكررت على مر الزمان دل ذلك على أهميتها وعلى صلاحيتها كمادة يعتمد عليها في التحليل
من خلال وحدة المكان باعتباره المسرح الذي تدور عليه عمليات التاريخ وأحداثه وتسجيل لتعامل الإنسان مع المكان
ولذلك يمكن القول بأن لكل مكان قضبانا تجري عليها أحداث معينة لاتتغير إلابتغير خصائص هذه القضبان
ولاشك أن منطقة المدخل الجنوبي للبحر الأحمر تعد نموذجا واضحا للعلاقة بين الأحداث التاريخية وخصائص المكان
فتكالب قوى الإستعمار الإستراتيجي على منطقة المدخل الجنوبي للبحر الأحمر ومضيقه باب المندب والجزر المتحكمة به وموانئه الإستراتيجية والقريبة منه
كل ذلك جعلها محل أطماع للدول الإستعمارية في كل مراحلها للسيطرة على شرايين المواصلات العالميةاقتصاديا وعسكريا فكان إستعماريا إستراتيجيا يتطلع إلى الموقع اكثر من تطلعه إلى الموضع واذا كان الإستعمار فى منطقة المدخل الجنوبي إستعماريا ساحليآ بالدرجة الأولى فإن ذلك لايعنيهم الأجزاء الداخلية(الموضع) فاحتواء واحتلال الأجزاء الساحلية(الموقع) يكفي للسيطرة غير المباشرة على الأجزاء الداخلية عن طريق مايعرف بالسيطرة الهامشية حيث تصبح معابر الأجزاء الداخلية إلى البحر تحت سيطرة القوى الأجنبيةالمسيطرة
ذلكم هو الصراع الكبير على مناطق النفوذ فى الرقعة الفسيحة للمدخل الجنوبي للبحر الأحمر والقرن الإفريقى وخليج السويس وخليج العقبة وقناة السويس حتى شاطئ المتوسط. ولعله صراع على امتلاك نقاط القوة على المسالك والمعابر والمضائق وقنوات الوصل، فى عصر قادم للعولمة الشاملة من قِبل الأقطاب فى عالم «تعددية الأقطاب»: ما بين أمريكا وأوروبا الغربية (محور بون ــ باريس) وروسيا (الأوراسية) والصين (الحزام والطريق).
فى عالم العولمة المستهدف ذاك، يصبح الشعار الرمزى الذائع حول (القرية الكوكبية) واقعا فعليا، فيصير صراع القوة الأزلى بين الجماعات البشرية صراعا ــ فى هذه المرحلة ــ على خطوط الوصل ونقاط القطْع، للتحكم فى المرور والعبور ومن ثم توزيع العمل الدولى.
فلعله إذن إيذانٌ بتجسيد ــ فى شكل مختلف ــ لشعار آدم سميث الأثير القادم صوته من أواخر القرن الثامن عشر (1776): دعه يعمل، دعه يمر أو بتعبير آخر غير مختلف: حرية العمل والعبور ــ أو النقل والانتقال. فمن ذا الذى سوف يقبض بيديه على ناصية النقل والعمل؟ هنا يقع مكمن الصراع وجذره «الجغرا ــ تاريخى» إن صح التعبير.
تحكم مقتضيات الصراع بأن عصر الغاز وما يتبقى من البترول خلال نصف القرن القادم ويزيد، تحكمه القوى الكبرى القابضة على ناصية القوة الاقتصادية ــ التكنولوجية، ما بين إمبرياليات قديمة غاربة، أوروبا «العجوز»، وإمبريالية صاعدة توشك على انحدار قريب ــ أمريكا، وقوى طامحة، غير إمبريالية بالمعنى العلمى فيما نرى: أبرزها الصين الاقتصادية وروسيا العسكرية، وحواف هامشية محتجزة لدول مثل الهند والبرازيل.
وإذْ يعمل مركز الزلزال الجيوبوليتكي المشتعل من البوابة الجنوبية للبحر الأحمر إلى خليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي والقرن الإفريقى باتجاه محور الدائرة الأطلسى، أمريكيا بالذات، ليعكس تفاهما مأمولا لخلق منطقة نفوذ فرعية معينة عند مداخل ومضائق الخليج، وعلى طول البحر الأحمر، تكون هذه المنطقة ذات المركز الزلزالى النوعى، نُظَيْما فرعيا ضمن المنظومة الأوسع ذات المركز الغربى الشمالى من العالم، ولو إلى حين.
وإن الجائزة الكبرى فى هذا الصراع الاستراتيجى المعقد والممتد هى (اليمن) من أرخبيل سقطرى ومضيق باب المندب، إلى المكلا وعدن والمخا والحديدة.. لأنها (عقدة المواصلات) فى الإقليم العربى والإفريقى كله أو هى قطب للتفاعلات المستقبلية فى العالم التواصلى الجديد
? د –أنيس الأصبحي

أحدث العناوين

نصائح ضرورية لمرضى القلب في رمضان.. تَعَرف عليها

مرضى القلب المسموح لهم بصيام رمضان ملتمون بتجنب بعض التصرفات الخاطئة التي ستعرضهم للخطر وهنا سنتعرف على بعض النصائح...

مقالات ذات صلة