المعرفة عند افلاطون

اخترنا لك

افلاطون (عاش بين 427 ق.م – 347 ق.م)( ): فيلسوف يوناني قديم، وأحد أعظم الفلاسفة الغربيين، حتى ان الفلسفة الغربية اعتبرت انها ماهي الا حواشي لأفلاطون.

عرف من خلال مخطوطاته التي جمعت بين الفلسفة والشعر والفن. كانت كتاباته على شكل حوارات ورسائل وإبيغرامات( )،لهذا فقد أوجد أفلاطون ما عُرِفَ من بعدُ بطريقة الحوار، التي كانت عبارة عن دراما فلسفية حقيقية، عبَّر من خلالها عن أفكاره عن طريق شخصية سقراط، الذي تمثَّله إلى حدِّ بات من الصعب جدًّا، من بعدُ، التمييز بين عقيدة التلميذ وعقيدة أستاذه الذي لم يخلِّف لنا أيَّ شيء مكتوب. هذا وقد ترك أفلاطون كتابةً ثمانية وعشرين حوارًا، تتألق فيها، بدءًا من الحوارات الأولى، أو “السقراطية”، وصولاً إلى الأخيرة، حيث شاخ ونضج، صورة سقراط التي تتخذ طابعًا مثاليًّا؛ كما تتضح من خلالها نظريته في المُثُل، ويتم فيها التطرق لمسائل عيانية هامة. إن فنَّ الحوار والجدل، أو لنقل الديالكتيكا، هو ما يسمح للنفس بأن تترفَّع عن عالم الأشياء المتعددة والمتحولة إلى العالم العياني للأفكار. لأنه عن طريق هذه الديالكتيكا المتصاعدة نحو الأصول، يتعرَّف الفكر إلى العلم انطلاقًا من الرأي الذي هو المعرفة العامية المتشكِّلة من الخيالات والاعتقادات وخلط الصحيح بالخطأ.
وعلى الرغم من الصعب تحديد واضح لفلسفة أفلاطون ومرد هذا إلى الطابع السردي المهيمن في طرح أفكاره إلا أنّها أُحصِيت في الأقسام الستة وهي: نظرية المعرفة، وعالم المثل، والطبيعة والنفس، والأخلاق، والسياسة. والموضوع الأساسي بالنسبة لنا هو”نظرية المعرفة” وفيه تتقاطع تلك الموضوعات بأشكال ونسب متباينة بحسب علاقتها بالمعرفة، وهذا يظهر في الخطاطات الآتية فإننا نستطيع بحسب أفلاطون أنْ نجد تقسيمًا بين الوجود والمعرفة، فعلى صعيد الوجود هناك عالمان: الأول هو العالم المحسوس، وهو عالم الظلال والمحسوسات، بالمقابل وجوديا هنا العالم المعقول وهو عالم الأشياء الرياضية والمثل وهو بهذا عالم الخير. أما على الصعيد المعرفي فإنَّ وسائل المعرفة تختلف باختلاف العوالم الوجودية فالعالم المحسوس يتم إدراكه بوساطة الوهم والظن أي “الرأي” أما العالم الثاني أي العالم المعقول فيتم إدراكه عبر الفكر الرياضي والعقل الجدلي أي يتم إدراكه بوساطة “العقل”، وعلى هذا الأساس تختلف وسائل الإدراك باختلاف العوالم المدركة، فالعالم الحسي يتم إدراكه عبر الإدراك الحسي وهو كما جاء في محاورة “ثياتينوس ” يمكن تلخيصه بالاتي : (الحس، والظن، والاستدلال، والتعقل.)
اولاً- الحس : فالإدراك الحسي هو الذي يكفل لكل فرد معرفة من خلال حواسه فقد اتخذت السفسطائية من الإنسان مقياس الأشياء لهذا فنادت بنظرية إنسانية في المعرفة، فالمعرفة هي عبارة عن وسيلة لغاية، وقالوا لا شيء في ذاته ولذاته وكل ما هو موجود فإنما موجود بالنسبة للإنسان وهذا ما عناه بروتاغوراس بقوله: “الإنسان مقياس كل الأشياء الموجودة بما هي موجودة، والأشياء غير الموجودة بما هي غير موجودة “( )
أما موقف سقراط فقد خالف السفسطائيين واعتبر العقل هو سبيل المعرفة لا الحس؛ لأنه العامل المشترك بين الناس وليس الحس مستقرّ الحقيقة، وبه تستخلص الحقائق الكلية الثابتة، أما أفلاطون فقد وقف موقف المنتقد لمن تبنّى رأي أستاذه سقراط، فقد أقام نظرية بديل على طريقة سقراط على الرغم من أن أفلاطون عني بكيفية تكوين المعاني والتصورات عن طريق الحواس، إلا أنه لم يبين الشروط التي يكون بها المُدرك صحيحا بمعنى انه لم يبحث في الشروط التي بها تكون المعرفة صحيحة. تطور نظرية المعرفة في الفلسفة اليونانية إذ كان العلم يعد نظاما عقلانيا اوجد ممارسة عقلية خاصة تعتمد على دراسة ما هو ثابت وتجاوز ما هو متغير فالمثال الأفلاطوني أو الماهية الأرسطية تتسم بالثبات فهي معيار العلم الذي يعد هو المعرفة اليقينية التي تدرك الحقائق العقلية. وهذا ما ذكره أفلاطون في محاورة (ثيتاتيوس) إذ بين الآتي :
1. إن النتائج المستقبلية لا تثبت حقيقة الإدراك الحسي فيما يبدو لكل فرد على أن الحقيقة عن المستقبل لا يصدق عندما تقع الأحداث (قاضي كبير بينما مصيره هو السجن).
2. الإدراك الحسي يجعل كل معرفة و كل تفنيد أمرا مستحيلا لأن الإحساسات تكون جميعها حقيقية ومن ثَمَّ فكلها متساوية ولا فرق بين الصبي والراشد أو بين المبتدئ والخبير أو بين المتعلم والعالم.
3. الإدراك الحسي يخلص إلى انطباعات متناقضة ذلك أن الشيء الواحد يبدو كبيرا عن قرب وصغيرا عن بعد (ثقيلا وخفيفا بمقارنته بأشياء أخرى).
4. إذا كان الإدراك الحسي هو الحقيقة فان الإنسان يكون هو معيار الأشياء جميعها بوصفه كائنا مدركا.
5. إن اعتبار الإدراك الحسي هو المعرفة يؤدي إلى تناقض نظري بروتاغوراس لأن يعترف بأن ما يبدو للإنسان حقيقيا فهو حقيقي ومن ثَمَّ بدا لي أن نظريته زائفة فعليه.
6. إن الإدراك الحسي يمدنا بإحساسات مشتتة بينما تتدخل فيه عناصر لا نستمدها من الحواس مثل المقارنة وإدراك الاختلاف والتشابه (مثال الاستدارة في الكرة).( )
ثانيا- الظن : كما رفض أفلاطون أن يكون الإدراك الحسي هو المعرفة فانه أيضا يرفض أن يكون الظن هو المعرفة إذ في تصوره أن الظن الخاطئ لا يُعد معرفة فحتى الأي الصادق لا يمكن تسميته معرفة وعلى هذا فقد قدم تعريفين للعلم : الأول منهما الظن الصادق فيما جاء الآخر الظن الصادق بالبرهان العلمي جاء الأول مرتبط بعلم المحسوسات الظني فيما جاء الثاني لكي يضيف البرهان إلى الظن ما يجعله علم بالكليات والحقائق العقلية ( ) ولعل التوصيف الرمزي يظهر هذه الرؤية واضحة في أسطورة الكهف التي كانت تكثيف رمزي عالي الدلالة عن الفرق بين المعرفة الظنية والمعرفة البرهانية العقلية إذ تؤكد على الأخيرة بالقول (فما هو موجودا كاملا هو وحده الذي يمكن معرفته معرفة كاملة ) ( )
كانت حاله شائعة أن فلاسفة الإغريق يحتقرون بصورة خاصة كل ما من شانه استخدام الحواس وهو احتقار مرجعه في أغلب الظن إلى احتقار الجسم بالنسبة للعقل حيث كانوا يعتقدون بان الجسم كتلة مادية فانية بينما العقل كائن روحاني خالد. ولهذا كانوا يقدرون من يستخدم عقله أكثر مما يقدرون من يستخدم حسه وعضلاته.فالمفكر عندهم أفضل من العامل وقد اقترح أفلاطون في جمهوريته إن يتولى قيادة الناس فيلسوف وكان من اكبر الأخطاء السياسية في نظره إن يشرك عامل في إدارة الحكم. هنا يظهر جليا تمركز أفلاطون حول العقل على حساب هامشية الحس إلا أنه يضع إلى ذلك التمركز تراتبية تبدأ بالمعرفة على الحسية ثم المعرفة على الظن، ثم إلى المعرفة الاستدلالية التي توصل إلى المعرفة التي تعتمد العقل إذ تعتمد هذه الأخيرة على تعتمد هي الرتبة المعرفية الرابعة” التعقل” أي إدراك الماهيات المجردة في كل مادة، في هذا التوصيف التجريدي ثمة لغة مجازية تأخذ من الحوار مجال رحب من اجل إعطاء توصيف للمعرفة ومصادرها الموثوق منها والموصلة إلى اليقين التي تتمظهر في مفاهيم مثل المثل أو الصور المفارقة أو الحقيقة العليا. إلا أننا أيضا نستطيع أن نلمس أنَّ هناك منهجين عند افلاطون في تأملاته المعرفية الأول يرتقي من المحسوس (الحواس الظاهرة أو الباطنة) حيث هناك إدراك حسي الظاهر تتبعه دهشة أما الإدراك الباطن فهو يقودنا إلى التخيل والتوهم والتذكر ثم المعقول الذي يجرد الحس من إبعاده المادية وهو العقل الإبداعي الذي يملك القدرة على المعرفة والتأمل والتصور محولا التخيل إلى تصور ويحول الإحساس من تذكر إلى تأمل ويحول الدهشة من التوهم إلى المعرفة هكذا حدث التضافر بين الظاهر الباطن إلى الإبداعي العقلي ( ) وهذه اللغة التي تأخذ بعدا حواريا في محاورات أفلاطون، مما جعل هناك تصور أنَّ هذه العملية التأملية ليست بعدية تلي التجربة بل وهي أيضا تخفي بعدا صوفيا يستثمر (على المرء أن يناضل لبلوغ الوقائع النهائية بممارسة العقل من دون عون من الحواس)( )
ثالثا – الإستدلال :
الذي يحمل أبعادا حسية لا يحمـّلها أفلاطون محملا ً في حياة الإنسان ذلك “أن بعض المحسوسات لا تنبه فينا عمل التفكير، لأنها كلها ضمن دائرة الحس، وأن عوامل أخرى تنبه فينا فعل التفكير لتفحصها، لأن الاقتصار فيها على شهادة الحواس يؤدي إلى نتائج غير صحيحة”.( )
يبدو أن المعرفة تبدأ بالحواس إلا أنها فيما بعد تبدو مستقلة تقود الفيلسوف إلى التطهير من الجسد والبدء بعملية التذكر، إنها عملية أخلاقية دينية تظهر في توصيف أفلاطون للعقل بوصفه قائد ماهر يرد جموح الشهوات إلى الطريق السوي ثم يقوم بعلية ثانية هي إدراك الصور الكلية بواسطة العقل، وتعليله لهذا الفعل المعرفي ان الشيء لا يتصل في الذهن إلا عن طريق الاستقراء المنطقي لكن رغم هذا يبقى العقل عاجز وحده عن كف سر الحقيقة ولكنه يظل يرتفع من درجه إلى اخرى حتى يتوج العقل برؤية مباشرة واتصالا بالعالم المثالي عندئذ تنبثق الحقيقة في النفس كالنور فينتقل الإنسان من عالم الظلمات إلى عالم الضياء ( ) هنا يظهر جليا أن العقل هو بمثابة مهارة تأملية تكتسبها النفس من اجل أن تصل إلى درجة تستطيع أن تدرك الحقائق عبر الحدس من عالم المثل إذ هو منبع الكائن وجوهر المُثُل الأخرى، وهذا يعود بنا إلى نظرية التذكر التي ارتبطت بالأسطورة كما في تصوراته إلى عالم المثل الذي يعتمد على تناصات أسطورية تقوم على المنهج الاستنباطي أو الجدل النازل.
وقد عبر أفلاطون عن هذا المنحى العقلي منذ البدايات الأولى للفلسفة مع اليونان، حيث تحدث عن وجود عالمين؛ عالم المثل وهو عالم عقلي مفارق، إنه مستودع الحقائق المطلقة والخالدة والتي لا تدرك إلا عن طريق التأمل العقلي الفلسفي. أما العالم الثاني فهو العالم المادي الحسي الذي هو عالم الأشباح والظلال وأشباه الحقائق الفانية. وهكذا فإدراك الحقيقة يتطلب حسب أفلاطون تجاوز ما هو حسي وظاهري، وممارسة التأمل الفكري لإدراك الحقائق الموضوعية التي توجد في استقلال عن الذات العاقلة، في عالم سماه أفلاطون عالم المثل. مبتدأ برحلته ساعيا ً لاقتحام المجهول والبحث عن الحقيقة الإلهية في الصور الإنسانية، وينتهي أفلاطون إلى تصور حياة الإنسان أن ثمة وجود آخر (الوجود الحقيقي وهو الجوهر الذي لا نهاية له… وأن المتناهي سلب له)( ). إذ أراد تحقيق الكمال الإنساني عبر “حركة العالم بما فيه من موجودات علوية وسفلية دائرية مرتبة منظمة لا يستطلعها العالم بذاته فهي معلولة لعلة عاملة، وهذه العلة هي الله الذي أعطى العالم هذه الحركة الدائرية على نفسه”.( ) وهذا النقص يأتي من الحاضنة التي تحتضنه فكان لابد من أداء رافض ليتخلص من الواقع ونواقصه فيحكم أفلاطون على الناقص (الوجود بالفعل) والكامل (الوجود المثالي).( ) لذا يرى أفلاطون في (الإنسان المثال) الإنسان الأول الذي كان في العالم العلوي وبارتكابه الخطيئة انحدر إلى العالم السفلي فكان لابد من محاولة العودة إلى عالم الحقيقة والمثال “والذي يتم بتخليص العقل من الحسيات والتزام اليقينيات والذهاب من المنظورات إلى غير المنظورات والأبديات وكل ما ينير العقل إلى التفكير في طبيعة الأشياء”.( )

أحدث العناوين

إمساكية رمضان 2024

امساكية شهر رمضان الكريم في صنعاء وعدن وحصرموت والمهرة متابعات- الخبر اليمني : صنعاء عدن حضرموت المهرة الفجر 04:27 04:45 04:25 04:16 الشروق 06.01 05:58 05:45 05:37 الظهر 12:08 12:05 11:47 11:38 العصر 03:27 03:21 03:08 02:58 المغرب 06:15 06:11 05:59 05:49 العشاء 07:45 07:41 07:29 07:19  

مقالات ذات صلة