طفلةُ (لله)

اخترنا لك

“أحياناً أحصل على70ريال، وأحياناً على 200ريال، وأحياناً 800ريال، وغالباً ما أحصل على الله، والله كريم ”

لم تنجبها امها بين ليلتين من ليالي الحلمية أو بين ريش نعام، فتكفلت الحرب بإنجابنا بين (15) مطار، و(14) ميناء، و (2.674) ما بين طريق وجسر، و(695) خزان وشبكة مياه، و(193) محطة كهرباء ومولدات، و(434) شبكة اتصالات، و(425.642)منزل (949)مسجد، و(902) مركز ومدرسة تعليمية ، (344) مستشفى ومرفق صحي، و(38) مؤسسة إعلامية، و(167)منشأة جامعية، و(356)منشأة سياحية، و(130)منشأة رياضية، و(219)معلم اثري و(3.890)حقل زراعي، و(351)مصنع، و(643)سوق تجاري، و(7.558)منشأ تجارية، و(634)شاحنة غذاء، و(766)مخزن اغذية، و(637)محطة وقود، و(265) ناقلة وقود، و(4.134) وسيلة نقل، و(338) مزرعة دجاج ومواشي .. مدمرة.. !!

وفقا لهذه الاحصائيات الأخيرة الصادرة عن المركز اليمني للحقوق والتنمية، نستطيع القول بأن الحرب كلفت الاقتصاد الوطني خسائر كبيرة، وخلقت أزمات اجتماعية تمثلت بالبطالة والارتزاق والفقر والتسول ..ناهيك عن تردي الاوضاع الصحية والمعيشية والنفسية للمواطنين، ومع ازدياد الوضع سوءاً في اليمن، ازدادت حالات القصص الإنسانية، إذ يعلو صوت الوجع المنبثق من هموم الناس ومعاناتهم، ويتفاقم يومًا بعد آخر مع تأخر حلول السلام.

هناك ضحايا لا يعلم بهم أحد، ولم تصل لهم عدسات الكاميرات، ووسائل الإعلام أو تقارير الجمعيات والمنظمات المعنية.
منهم مرضى يقاسون الآلام في منازلهم دون أن يجدوا أبسط الخدمات العلاجية والطبية، ناهيك عن أساسيات ومقومات الحياة الضرورية، ينامون على أمل أن يستيقظوا على وطن ينتصر لضعفهم، علهم يجدون العيش الكريم لا الشتات لكنهم يستيقظون على واقع عكس ذلك تماما..

في الوقت الذي كانت ملك تسرد لي قصتها، تذكرت تلكما الشخصيتان الكرتونية (سالي كروي) و(بائعة الكبريت)، تلكما الفتاتان التي لم تفلح ذاكرتي في انتزاع معانتهما وهما يعملان بجهد لايتناسب مع سنهم الطفولي؛ للحصول على بعض القطع النقدية، حتى أن إحداهن لفظت أنفاسها الأخيرة وهي تجوب شوارع المدينة من أجل بيع علبة كبريت….!!!
لم أكن أعلم حينها أن تلك الفتاة لفظت أنفاسها الكرتونية كبائعة كبريت لتبدأ حياة واقعية كطفلة متسولة… !!

(ملك عبدالله حسن) طفلة لم تتجاوز العاشرة من العمر، أجبرتها الظروف الاقتصادية والمعيشية البائسة للبحث عن المال .. تقول ملك: ” كان والدي يعمل في سوق السمك، وبرغم دخله القليل الذي لايكاد يكفي لأسرة مكونة من سبعة أطفال: قصي، وعمار، وعبدلله، وفاطمة، ومريم، وغدير، وملك، إلا أننا لم نكن مضطرين للخروج والتسول، حتى أتى ذلك اليوم الذي أصيب فيه والدي قبل سنتين برصاصة طائشة وهو عائد من سوق السمك، فقد على إثرها القدرة على الحركة لفترة طويلة، وفقدنا -نحن- في تلك الفترة القدرة على الصمود أمام الجوع وتوفير العلاجات لأبي، خاصة مع ارتفاع الاسعار المعيشية، مما اضطر أخي (عمار) البالغ من العمر11عشر عاماً وهو أكبر اخوتي الذكور، للخروج للبحث عن عمل، حاول (عمار)جاهداً العثور على أي عمل لكنه لم يفلح بإيجاد من يقبل به للعمل لديه، خاصة أن أخي لايجيد عمل شيء، ولم نكن نمتلك المال الذي يسعفه للبحث في أماكن اخرى خارج المدينة.. حاولت أمي اللجوء إلى المساعدات الانسانية من خلال المنظمات، ولكن بلاجدوى فوالدي لا يمتلك بطاقة شخصية، كما هو حال بعض الأسر الفقيرة المعدمة .. السبب الذي جعل من تسجيلنا لدى تلك المنظمات، أمراً صعبا، برغم حاجتنا الماسة..قلت الخيارات المتاحة أمامنا وأصبح منفذ التسول واضحاً .. في البداية كنا نخرج مع بعضاً البعض، ومع مرور الوقت اختلفت وجهاتنا باتجاهات مختلفة.. بالإضافة إلى المسافة الكبيرة التي كنا نحرص على اجتيازها من البيت بحيث لا نتواجد في الأماكن المحتمل بها تواجد أناس معروفين.. فكنا نخرج في الصباح الباكر باتجاه الأمكان المزدحمة كالمدراس والجامعات أو المشافي وقريب الأذان نتجه الى أقرب مسجد …كنا نرى الكثير من الاطفال والكبار بالسن كيف يتسولون بشكل طبيعي فأصبحنا نمد أيدينا باتجاه الآخر، ونقول مثلهم: ” لله”.

وحسب قول ملك كان الامر صعباً بالبداية بسبب سيرنا على أقدامنا مسافات طويلة، ونادراً ما نجد سائق باص يرحمنا ويوصلنا مجانا، أما الآن أصبح الأمر عاديا بالنسبة لنا، كانت أمي في البداية تبكي علينا، ولكن بعد فترة، تعودت وصارت تقول: أن التسول مهنة محترمة في ظل هذه الأوضاع وخاصة لمن هم يعانون مثلنا؛ فبدلا من أن نسرق نتسول .. بعد فترة من التسول استطعنا جمع مبلغ بسيط من المال واستطعنا من خلاله شراء عكاز لولدي، وأصبح قادراً هو الآخر على الخروج والانضمام لنا إلى ساحة العمل .!!!

لا توجد إحصائيات رسمية عن عدد المتسولين، غير أن دراسة أجراها “مركز الدراسات الاجتماعية وبحوث العمل” في العام 2009م، أشارت إلى أن عدد المتسولين في اليمن يقدر بنحو 1.5 مليون متسول.

وأكد الباحثون أن ارتفاع معدلات التسول بصورة مطردة كان نتيجة لاستمرار تدهور المستوى المعيشي لدى غالبية السكان، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة والأمية..

وقد صنفت الدراسة المتسولين إلى فئتين: تتمثل الفئة الأولى في المتسولين بسبب الفقر الدائم وعدم القدرة على العمل وغياب مصادر الدخل الكافية، وتتمثل الفئة الثانية في المتسولين الموسميين، وهم من أفراد الطبقة المتوسطة الذين تدهورت أوضاعهم المالية خلال السنوات الأخيرة، نتيجة لانخفاض معدلات الدخل وانخفاض قيمة العملة المحلية، إضافة إلى تأثير البطالة وارتفاع نسبة الإعالة الاقتصادية..
وكانت تقديرات المجلس الاعلى للأمومة والطفولة ومنظمة اليونسف، أن عدد الأطفال المتسولين يصل إلى(7)آلاف طفل وطفلة في العاصمة صنعاء.

كما أكدت المديرة الإعلامية الإقليمية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة، جولييت توما، في تصريح لوكالة سبوتينك الروسية، في 27 مارس/ آذار2018، أن 80 في المائة من الناس في اليمن يعيشون تحت خط الفقر، والخدمات الأساسية تقترب من الانهيار..

نناشدكم بحق اولئك المتنقلين في الشوراع كي يسألوكم “لله “بأوجاع رضيع لله، واطفال لله، وعجائز لله، ونساء لله، وكهول لله، ورجال لله، أوقفو مآسي الحرب ولاتجعلوا لها منطقاً غير ممنطق..!!!!

أحدث العناوين

Massacre crimes continues in Gaza

The number of martyrs due to the massacre committed by the Israeli occupation forces at dawn today against a...

مقالات ذات صلة