شذرات عن السعودية واتفاقية الطائف

اخترنا لك

أسس عبد العزيز بن عبد الرحمن بن سعود(الهجر)لتوطين البدو، وهي تجمعات عسكرية وإنتاجية، وورش لإعادة التأهيل والبناء الفكري؛ وذلك بإحلال الفكر الوهابي كأيديولوجية وصولجان مُلْك محل القيم والسلوكيات ومنظومة التفكير والعيش البدوي، ودفعهم نحو الإنتاج الزراعي والحِرَفي، تلك الأعمال التي يحتقرها البدوي، ويراها نقيصة ،لا يقوم بها إلا من لا يعتاش من أسنة الرماح والسيوف.
واعتبر الخروج من حياة البداوة والبادية إلى مجتمع الهِجَر خروجا من الظلمات إلى النور؛ فقد كانت تلك الهِجَر مزيجا وخليطا من القبائل، بغرض حَلْ عُرَى القبيلة وعصبيتها وبعض عاداتها المؤثرة سلبا على تكوين الدولة ومركزية قرارها.
ولذلك فقد بدأ عبد العزيز بن سعود في عام 1911م بتأسيس هجرة (الأرطاوية )وكان سكانها خليط من قبائل (حرب) و(مطير)”سكنها في بداية الأمر سعد بن مشيب من قبيلة حرب، ثم أعطيت لفيصل الدويش وجماعته من( مطير)، ثم (الأجفر )وأكثر سكانها من (شمر) ولقد اعتبر الدين هو الحافز الوحيد لاستقرار البدو، والاشتغال بالزراعة والأشغال اليدوية التي كان البدوي يحتقرها، ولكن بعد أن دعا ابن سعود إلى حركته الجديدة، وأرسل دعاة لنشر هذه الحركة وللدعوة إلى حياة الهجر، فمن ترك حياة البداوة ،إلى حياة الهجر يكون قد هاجر من الظلمات إلى النور.”ص53-تاريخ العلاقات السعودية اليمنية-دكتورة فتوح عبد المحسن الخترش-منشورات ذات السلاسل-الكوين-ط1-1983م.
بلغ عدد الهجر في بداية تأسيسها نحو ستين هجرة، وفي عام 1926 أصبح هناك 200 هجرة شمال نجد، وبعضها إلى الشمال من الحجاز، ويتراوح سكان الهجر ما بين ألف إلى عشرة ألف، فقد شملت عملية توطين البدو وإعادة تأهيلهم وتوجيههم داخل الهجر، الثلث من القبائل البدوية في بداية العقد الثاني من القرن العشرين، وبهذه القوة استطاع ابن سعود أن يستعيد قوته ونفوذه، واستكمال تكوين المملكة الثالثة، فطوق مركز الأتراك في الشرق حين أخضع القبائل وجعلها تحت سيطرته، وفي عام 1913 عزل الحاميات التركية في بعض المراكز التي أسسوها. ص54-المرجع السابق.
وفي نفس العام من شهر مايو احتل ابن سعود إقليم الاحساء دون مساعدة من الإنجليز، وأجبر الأتراك على توقيع معاهدة معه في 15 مايو 1914،وفيها اعتراف بسيادته على المنطقة، وبناء عليها أعلن نفسه سلطانا على نجد وتوابعها، وبسط سلطانه على شواطئ الخليج العربي، وتكلل ذلك بعقده لاتفاقية حماية مع بريطانيا عام 1915م. التزمت بها بريطانيا على حماية إمارته، ومنحه راتبا سنويا مقداره 60 ألف جنيه، والتزم هو لبريطانيا بعدم إبرامه أية اتفاقية أو معاهدة مع أي طرف إلا بموافقتها، وألا يتخذ قرارا في السياسة الخارجية إلا بمشورتها وإذنها.
وبموجب هذه المعاهدة التي تم التوقيع عليها في 26ديسمبر 1915،والمصادقة عليها بريطانيا في يوليو 1916″اعترفت الحكومة البريطانية بأن نجد والاحساء والقطيف وجبيل بما لهذه المناطق من موانئ على ساحل الخليج العربي، من ممتلكات ابن سعود وورثته، وكذلك اعترفت بابن سعود حاكما مستقلا لقبائل هذه المنطقة ، وتعهدت له بالوقوف معه ضد أي تدخل أو اعتداء خارجي، وفي مقابل ذلك تعهد ابن سعود بأن لا يتخلى أو يرهن أو يبيع أي امتياز لأي دولة أجنبية إلا بموافقة الحكومة البريطانية “ص57-المرجع السابق.

ظل سلطان نجد والحجاز عبد العزيز آل سعود منذ 1927 يناور في مفاوضاته مع الإمام يحيى بخصوص المناطق اليمنية عسير ونجران، مستخدما سياسة القضم والهضم، ابتداء من الاتفاقية التي أبرمها مع محمد الإدرسي عام 1923م،وفيها اتفاق حول المناطق المتنازع عليها بينهما، ثم مع ضعف إمارة الأدارسة والصراعات التي تمت بعد وفاة محمد الإدريسي، بين أخيه حسن الإدريسي وابنه علي الإدريسي ،وتنازعهم على الإمارة-دفعت تلك الصراعات بحسن الإدريسي إلى أن يبرم اتفاقية حماية مع عبد العزيز بن سعود في أكتوبر 1930م سرعان ما تحولت إلى هيمنة سعودية على القرار والإمارة في صبيا، وصولا إلى احتلال عسير وصبيا عسكريا، في بداية الثلاثينيات من القرن العشرين، ولجوء حسن الإدريسي إلى حماية الإمام يحيى .ومع عام 1933م حين ضمن عبد العزيز آل سعود الدعم بالسلاح والمال من شركة الزيت الأمريكية في كالفورنيا –نفذ خطته في التمدد والقضم، ليستولي على كامل عسير ونجران. شاملا المناطق التي كان يطلق عليها صفته كوكيل عليها وفق اتفاقيته مع الأدارسة، فصار منذ ما بعد حرب 1933م مسيطرا عليها بعد أن هضمها ضمن مملكته،التي خاطها بالكثير من المكر والصبر، والتعاون مع الاستعمار البريطاني ثم شركات البترول الأمريكية، وصولا إلى انتقال الوصاية من بريطانيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية زمن إيزنهاور…
وكان قد أعلن نفسه ملكا على ما عرف بعد ذلك بالمملكة العربية السعودية في 18سبتمبر 1932م.هاضما لكل المناطق التي قضمها شمال نجد وجنوبها وشرقها وغربها. من الأردن والعراق والكويت واليمن الخ.

ينبغي معرفة السعودية من الداخل نظاما ومجتمعا، لا أن نكتفي بتصور سطحي عنها ،استقيناه من شعائر الحج والعمرة وزيارة الأماكن المقدسة والاكتفاء بالقول بأنها عدو تاريخي ،بحسب منشور ودعوة وجهها جمال الجعبي المحامي في صفحته بالفيس بوك.
فدون فقه دوافع ذلك العداء من حيث الجغرافيا :موقعا وموضعا، ومن حيث التاريخ كصراع يمتد منذ بداية القرن التاسع عشر، حين وصلت جحافل جندهم الوهابي إلى حضرموت وعسير وسقطرى وصولا إلى أبواب صعدة. وكذلك من حيث المذهب ، وقد عكست المراسلات بين الإمام في صنعاء آنذاك، وأمير نجد، وكذلك مراسلات الشوكاني مع علماء الوهابية –عكست البعد المذهبي المعزز والمستخدم في صراع النفوذ…
من حيث المعتقد والأيديولوجيا الوهابية التي استمرت صولجانا للملك ،عمل عبد العزيز آل سعود على تطويع حذر وواع لأهمية وخطورة المعتقد في التوسع، وصولا إلى تطويق المذهب وتقليم أظافره بخطوات متدرجة من خلال توطين البدوي، وجعله منخرطا في الإنتاج الزراعي والحرفي، وتفكيك عُرى القبيلة كرابطة تهدد الدولة، ومن خلال التعليم المدني الذي انخرط فيه البدوي والوهابي، حتى أن غالبية عائلة الشيخ محمد بن عبد الوهاب تعليمهم علماني وليس ديني، أي درسوا وفق مناهج التعليم الحديث، سواء في السعودي أو في أوروبا والولايات المتحدة. مرورا بتقليم النفوذ السياسي والديني لهذه العائلة من خلال جعل الأمر الدينية والإفتاء خاص بلجنة يشكلها الملك لا بآل الشيخ، بل وصل الأمر إلى إبعاد آل الشيخ من النفوذ الديني/السياسي، ثم إعادتهم بعد أن تم تحويلهم إلى موظفين مع الملك لا شركاء يخشى نفوذهم!

كانت سياسة عبد العزيزبن سعود مبنية على التدرج في بناء مملكته جغرافيا ،والتدرج في تهجين وتطويع القبيلة والمذهب في آن لما يخدم مركزية حكمه ووحدة القرار بيده…

اتفاقية الطائف ومفهوم الأمة بين السعودية واليمن:

في بنود اتفاقية الطائف التي تم التوقيع عليها وعلى ملاحقها عام 1934م،وجاءت اتفاقية جدة لتُبنى عليها وتؤكدها- نجد في المادة السادسة عشرة ،يعلن فيها الطرفان “اللذان تجمعهما روابط الأخوة الإسلامية العربية، أن أمتهما أمة واحدة ، وأنهما لا يريدان شرا بأحد، وأنهما يعملان جهدهما لأجل ترقية شئون أمتهما في ظل الطمأنينة والسكون، وأن يبذلا وسعهما في سائر المواقف على أي أمة”

الواضح أن معاملة العمال اليمنيين بنظام الكفالة، ثم الرسوم الباهظة التي يلزمون بدفعها شهريا يتعارض مع هذه المادة، التي تنص على التعامل مع السعودي واليمني باعتبارهم “أمة واحدة”واتفاقية جدة بُنيت على أساس الإقرار بمواد وبنود اتفاقية الطائف. فمعاملة اليمني معاملة الغرباء في السعودية يعني إلغاء اتفاقية الطائف وما يترتب عليها من اتفاقية جدة، ناهيكم عن الاعتداء على اليمن بحرب السنوات الخمس ،يلغي بنود اتفاقية الطائف وجدة، والتي تنص على عدم التدخل في شئون الطرف الآخر؛ أي منع تدخل الأمراء والعمال والموظفين لهذا الطرف أو ذاك بالتدخل في شئون الطرف الآخر.
وتنص المادة السابعة عشرة والمادة الثامنة عشرة على التزام كلا الجانبين بالحياد التام سرا وعلنا في حالة وقوع اعتداء خارجي أو حدوث فتن وثورات داخلية لدى أحد الطرفين.
وتنص المادة العشرون على وحدة السياسة الخارجية ،حيث يعلن فيها كلا الفريقين “استعداده لأن يأذن لممثليه ومندوبيه في الخارج ،إن وجدو ،بالنيابة عن الفريق الآخر، متى أراد الفريق الآخر، في أي شيء وفي أي وقت” وأن يتراجعا فيما بينهما لتوحيد خطتهما للعمل العائد لمصلحة البلدين…

أحدث العناوين

Ansar Allah leader reviews American and British failure in confronting Yemeni operations

On Thursday, Ansar Allah leader, Abdul-Malik Al-Houthi highlighted the American and British failure in their attempts to counter Yemeni...

مقالات ذات صلة