حرب اليمن في نهاية عامها الخامس  الطريق إلى جنيف 3-3

اخترنا لك

جنيف ، اللقاء الأول بين ما يسمى الشرعية و سلطة أمر الواقع في صنعاء . ذهبوا مع عدم توفر صدق الإرادة و النوايا الحسنة و الرغبة في تجنب اليمن مزيد من الصراعات الدموية . لو توفر صدق الإرادة و النوايا الحسنة و الرغبة في تجنب اليمن مزيد من الصراعات الدموية لكان بالإمكن ان يلتقي الوفدان في أي مكان . ربما كان أولى ان يلتقيا في اليمن و ان يكون دور الوساطة قيادة قبلية أو عشائرية تملك تأثيرأ حقيقيا على الجميع ، قد لا يملكه الوسطاء الغرباء ، الذين لا يعنيهم من الازمة في اليمن غير المكاسب التي يمكن ان تتحقق لهم حتى و ان عاش كل الشعب اليمني على عشبة القات و الرغيف الجاف .

يبدو ان الدعوة إلى محادثات جنيف هي البداية لجولات كثيرة قبل ان يقتنع الأطراف المعنية بأنه لا بديل عن التفاوض للتعايش السلمي بين مختلف مكونات المجتمع اليمني و التوصل إلى استفتاء على دستور جديد و أجراء انتخابات عامة تخرج البلاد مما هي فيه .

كيف بدأت الحرب ؟

جذور الحرب بدأت مع فشل عملية الانتقال السياسي و تسليم السلطة من الرئيس السابق على عبدالله صالح إلى نائبه عبدربه منصور هادي ، التي من المفترض ان تجلب الاستقرار . لكن هادي فشل في إدارة السلطة بسبب ولاء اجهزة السلطة و أفراد الأمن و الجيش للرئيس السابق ، فضلا عن الفساد و البطالة و انعدام الأمن الغذائي . استغل الرئيس السابق صالح ضعف هادي في السيطرة على الشمال بشكل خاص و في اليمن بشكل عام . بدأ الرئيس صالح العمل مع قوات الأمن و الجيش و حزب المؤتمر و القبائل الموالية له بالتحالف مع حركة الحوثيين بالانقلاب على هادي في محاولة لاستعادة السلطة . هذا أجبر السيد هادي على الفرار إلى الخارج في 2015م .

صعود الحركة الحوثية إلى السلطة مع الرئيس صالح أثار قلق السعودية ، فهي تعتقد أن الحركة الحوثية مدعومة عسكريا من إيران حسب اعتقادهم . لذا شنت السعودية عدوانها العسكري على اليمن في مارس 2015م . على أساس ان تقضي على الحوثيين ، و وقف النفوذ الإيراني في اليمن و إعادة السيد هادي إلى السلطة . العدوان السعودي الإماراتي تلقى الدعم العسكري و اللوجستي و الإستخباراتي من الولايات المتحدة و المملكة المتحدة و فرنسا . في البداية كان المسؤولين السعوديين يتوقعون أن تستمر الحرب بضعة أسابيع فقط . لكن ليس لسنوات .

في أغسطس 2015 م هُزمت حركة الحوثي / صالح في جنوب اليمن و في مدينة عدن بالذات . هذا ساعد السيد هادي في إنشاء الحكومة المؤقتة في عدن . لكن توفير الخدمات الأساسية و الأمنية لها لا يزال يأتي من مقرها الرئيسي في السعودية .

استفاد المسلحون من تنظيم ” القاعدة ” في شبه الجزيرة العربية ( AQAP ) و الدولة الإسلامية ( داعش ) من الفوضى التي خلقها التحالف السعودي الإماراتي في جنوب اليمن من الإستيلاء على الأراضي في الجنوب و تنفيذ الهجمات القاتلة ، و خاصة في عدن .

بعد ذلك قررت الأطراف اليمنية الرئيسية المعنية بالصراع الدائر في البلاد الجلوس على طاولة المفاوضات على أن تكون برعاية الأمم المتحدة . على ما أعتقد تحت طلب و ضغط دولي . جاء الإعلان الأممي عن إنعقاد المؤتمر الدولي في جنيف يوم الخميس 28مايو 2015م على أن يستمر ثلاثة أيام . لكن تم تأجيله بعد ظهور الخلافات بين الأطراف المتصارعة المحلية و الخارجية حول شروط عقده و هوية المشاركين فيه . الأطراف اليمنية الرئيسية لم تتفق بشأن الأسس و التفاصيل التي سينعقد على ضوئها المؤتمر . لان الرئيس هادي كانت له إعتراضات وهي ان يطبق الحوثي / صالح أولا قرار مجلس الأمن الدولي الأخير رقم 2216 ، بالمقابل جماعة الحوثي / صالح هي الأخرى لها شروطها وهي أولا البدء بإيقاف القصف الجوي لقوات التحالف ، كشرط اساسي لبدء المفاوضات . اضف إلى ذلك برزت تباينات أخرى بشأن المرجعيات  و الأسس  التي  يتوجب  ان  تقوم  عليها هذه المفاوضات . فقد  أشترط  الرئيس  هادي  أن  تقتصر المفاوضات على المرجعيات الثلاث الرئيسية : المبادرة الخليجية ، و مخرجات الحوار الوطني ، و قرارات مجلس الأمن الدولي . جماعة  الحوثي  من  جهتها  أصرت على  تضمين  هذه  المرجعيات  وثيقة ” اتفاقية السلم و الشراكة الوطنية ” باعتبارها إحدى المرجعيات خلال المفاوضات القادمة . لكن مجلس التعاون الخليجي و هادي اعترضا عليها وقد اعتبروا ان تلك الإتفاقية قد وقعت  تحت  الضغط و الإكراه . هكذا تعقدت الأمور و أجل الموعد المقرر . في كل الاحوال لقاء جنيف كان محكوم عليه بالفشل مسبقاً ، بسبب المواقف المعلنة و المتعارضة لأطراف الصراع . الجهود التي بذلها المبعوث الأممي و سلطنة عمان و الولايات المتحدة نجحت في الأخير من تقريب وجهات النظر بين الحوثيين و الحكومة اليمنية لتمهيد الطريق لمحادثات جنيف . حدد موعد آخر من جهة الأمين العام للأمم المتحدة ( 14 يونيو ) في نفس العام . لكن جماعة هادي بتصريحاتهم ، وضعوا عقبات امام انعقاد جنيف حيث اعلنوا أن اجتماعات جنيف لن تكون للحوار ، بل للتشاور في كيفية تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2216 م . هذا في حد ذاته يعد تراجعا واضحا عما اتفق عليه . فضلا عن ذلك صعدت قوى التحالف غاراتها الجوية على مواقع الحوثي / صالح ، هذا عزز الشكوك في أن مفاوضات جنيف لن تكون أفضل حالا من مؤتمر الحوار الوطني أو المفاوصات السياسية اللاحقة التي عقدها ممثل الأمم المتحدة السابق جمال بنعمر بين القوى السياسية و الحوثيين في موفنبيك بالعاصمة صنعاء ، قبل انقلاب سبتمبر 2014 م . لذا وجدت الدعوة إلى جنيف نفسها في وضع أكثر تعقيدا ، حيث تعمقت فيه الإنقسامات ليس الداخلية فقط ، بل الانقسامات الإقليمية و الدولية .

رغم الإصرار الأممي على ضرورة انعقاد مؤتمر جنيف الذي جاء على خلفية المباحثات الأمريكية الإيرانية بحضور الحوثيين و وسيط عُماني في مسقط ، وهي المباحثات التي ربما قدمت خارطة واضحة المعالم للطرف الأمريكي من قبل الحوثيين متعلقة بمهامهم القادمة في ضوء ما سيتمخض عنه مؤتمر جنيف . لقاء جنيف كان ممكن .. ان ينجح لو لا التدخل السعودي الإماراتي السيئ و المعادي للشعب اليمني .

فشلت كل المحاولات لإحلال السلام بدأ من لقاء يونيو 2015 م في جنيف ، إلى سبتمبر 2015 م  في مسقط ، إلى ديسمبر 2015 في سويسرا . الا ان محادثات ربيع 2016 م  في المملكة العربية السعودية مثلت أفضل فرصة لإنهاء الصراع . لأنها كانت أول مفاوضات مباشرة بين السعوديين و الحوثيين ، حينها بدأ السعوديون يصفون الحوثيين بـ ” حركة ” بدلاً من ” مقاتلين متشددين ” .

كان سر نجاح تلك المحادثات على الأرجح هو بسبب عدم مشاركة وفد من مُعَسْكر هادي أو صالح . بالتالي ، عندما نقل السعوديون هذا الملف إلى حكومة هادي من أجل متابعة المفاوضات في الكويت ، تبدد الزخم الإيجابي . السبب كان رد فعل هادي على استبعاده أول الأمر . رد فعل هادي كان تعيين عدواً حوثياً بارزاً ، هو الجنرال على محسن الأحمر ، كنائب للرئيس قبل أسبوع من افتتاح المحادثات الكويتية . هذا ساهم في انهيار محادثات الكويت في نهاية أغسطس 2016م . و بعد شهرين من ذلك التاريخ ، رفض هادي خطة الأمم المتحدة الجديدة ، و بذلك فشل الجهد الأخير الذي بذله وزير الخارجية الأمريكي المنتهية ولايته آنذاك جون كيري في ديسمبر . بعد ذلك ، ظهرت تعقيدات إضافية اخرى و حصلت تحولات و ولاءات جديدة ، ظهر الإنقسام في معسكر الحوثي / صالح ، مع انضمام بعض الموالين إلى التحالف . و ظهرت انقسامات مماثلة بين أعضاء التحالف نفسه ، لكن جميعهم مناهضون للحوثي ، و ليس كلهم مؤيدون لهادي . و على وجه الخصوص ” المجلس الإنتقالي الجنوبي ” ، المدعوم من قبل دولة الإمارات ، بقيادة حاكم عدن السابق المعين من قبل هادي ، عيدروس الزبيدي .

اشتبك المجلس الإنتقالي مرارا مع قوات مؤيدة لهادي . نتيجة لذلك ، تعقدت الامور أكثر بعد ان اصبح الصراع و المفاوضات محصورة بين الشرعية و أنصار الله الآن تشعبت و ظهرت مكونات اخرى .

بعد ذلك ظهر طريق آخر ، طريق ستوكهولم ممثلاً في الوجه البريطاني مارتن غريفيث المتخفي وراء ستار الأمم المتحدة . لإضفاء الحياد الزائف على دوره السلبي و المشبوه في تفكيك و تجزئة اليمن لصالح المشاريع الانجلو صهيونية بالمنطقة ، بهدف خلق ما يسمى بـ ( الشرق الأوسط الجديد ) عبر الحروب و ارتكاب مختلف الجرائم بحقِّ الإنسانية ، و تحت مختلف العناوين و المبررات الكاذبة .

 

كاتب و محلل سياسي يمني    

 

إقرأ أيضا

1-:حرب اليمن في نهاية عامها الخامس الموقف الأمريكي و الروسي منها  3-2

2-: حرب اليمن في نهاية عامها الخامس  3-1

 

أحدث العناوين

شواهد على حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني

على مدى الستة أشهر الماضية من الحرب على قطاع غزة، تحولت المستشفيات والمدارس والطرقات إلى مقابر جماعية دفن فيها...

مقالات ذات صلة